عثمان ميرغني يكتب : أحذروا “حالة الفراغ الاعلامي”
متابعات موجز الأحداث
قرأت أمس تغريدة صغيرة في منصة “أكس” لقائد عسكري يوغندي شاب.. هو موهوزي ابن الرئيس موسيفيني وقائد قوات الدفاع الشعبية قال فيها (نحن ننتظر فقط أن يصبح دونالد ترمب رئيسا وبدعمه سنتمكن من الاستيلاء على الخرطوم).. لم تأخذ مني سوى ابتسامة عابرة اعتبرتها نكتة أو مزحة مثل غيرها التي تفيض بها الميديا.
لكن بصراحة عدت وعاتبت نفسي بمبدأ (أقول امكن أنا الما حيت) على رأي الفنان خليل اسماعيل.. ربما أنا الذي لم أعد افهم الواقع المحيط بنا.. عندما تناقلت وسائط التواصل الاجتماعي الخبر و حصد طوفان من ردود الأفعال بل تحمس البعض لدرجة المطالبة بالرد الحاسم عليه، وأخرون طالبوا بسحب السفير السوداني من كمبالا والحمد لله لم يطالبوا بسحب الهلال من الدوري الافريقي.
ثم بدأت تظهر المقالات العصماء.. خاصة من الصحفيين والاعلاميين.. وكلما قرأت لأحدهم أظل أقول ( امكن أنا الما جيت).
الاعلام علم دقيق ومتطور بسرعة.. موزون بكثير من المحددات التي تجس نبض الرسائل الاعلامية وتستنتج بها “الحالة” التي تمر بها الأمة.. أو الدولة.. ومن هذه المجسات الرفيعة ما نسميه اعلاميا (حالة الفراغ الاعلامي) The State of Media Vacuum وتعني أن البلاد (أو المنطقة) تمر بحالة غياب الانشغال الاعلامي الايجابي الذي يعبر عن تطلعات أو هواجس مرتبط بواقع حقيقي.
وتقاس هذه الحالة بمعيارين :
الأول: نوع الانشغالات الاعلامية على المستوى العام.
الثاني: سرعة انتقال الرسائل الاعلامية الهوائية في الأثير الاعلامي.
في حالتنا التي نحن بصددها اليوم.. خبر سطحي أقرب للمزحة ينتشر بسرعة بل ويحظى بتفاعل جاد ومن دوائر لا تعد جماهيرية قاعدية بل مستنيرة مدركة.. هنا ينخفض مقياس الفراغ الاعلامي إلى أدنى مؤشراته.. ليكشف الحالة العامة التي تمر بها البلاد من زاوية انشغالاتها و اهتماماتها.
قد يطرح سؤال عن المسؤولية في هذه الحالة.. حالة الفراغ الاعلامي.. وكيف تعالج.. الاجابة ميسورة.
للشاعر الفنان الأمريكي جيم موريسون مقولة شهيرة ( من يسيطر على الاعلام ، يسيطر على العقول).. فالاعلام حقيقة يسيطر على التفكير والعقول ويدير الرأي العام.. فهو أقوى من السلاح وتصرف عليه الدول أموالا طائلة لتحقيق أهدافها.. وأشهر الوسائط الاعلامية التي لعبت دورا كبيرا في تشكيل عقول أمم كثيرة، اذاعة البي بي سي التي تنطق بأكثر من 40 لغة عالمية وظلت تخاطب أكثر من ثلثي سكان العالم على مدار الساعة ولعقود طويلة.
لكن يجب التمييز بين الاعلام، ووسائط الاعلام..
في عهد النظام السابق عرف عن الحزب الحاكم محاولاته امتلاك وسائط الاعلام من صحف واذاعات وفضائيات ووكالات أنباء بافتراض أنه بذلك (يسيطر على الاعلام).. ليدير العقل الجماهيري.. وذهب أكثر من ذلك بالتغول عبر السلطة القهرية على النشر ووسائط الاعلام المستقلة و الافراط في محاولات تكسيرها أو ارغامها على الانحناء لما يريده النظام اعلاميا.
وكل ذلك باء بالفشل المحتم.
الاعلام مقصود به “الرسالة الاعلامية ” التي تنشأ اما بفعل اعلامي مباشر أو غير مباشر.
المباشر هو المادة الاعلامية المنشورة أو المبثوثة.. وغير المباشر هو الفعل المؤسسي الذي يؤدي لانتاح رسائل اعلامية حتمية.
قدرة الحكومة على الامساك بأدوات الفعل المؤسسي يساعدها في انتاج رسائل اعلامية مدروسة.. وأهم من ذلك تجنب (حالة الفراغ الإعلامي).. وهو الذي نحن بصدده الآن..
تتولى الجهات المعنية دراسة الأوضاع جيدا و حساب “الحالة الاعلامية” بصورة مستمرة.. بل و تعزيز مناسيبها الايجابية حتى لا تنخفض إلى مرحلة “الفراغ الاعلامي”.. كما هو الواقع الآن..
حاليا السودان يخوض حـ؛ربا وجودية تمثل علامة مهمة في تاريخه.. بحسابات القياس العلمي يجب أن يحافظ الأثير الاعلامي السوداني على ما لا يقل عن 70% من الانشغال المستمر وبالتحديد في المسارات المرتبطة بالتأثير على الأزمة الراهنة. (الدرجة المثلى فوق الـ90%).
الأسلوب الأفضل في الحفاظ على هذه النسب هو في التخطيط الاعلامي لمدى زمني مقدر.. عام مثلا .. ودراسة التأثير الاعلامي المطلوب لمختلف القضايا والأجندة.. ثم تقسيمها للطبقات التالية:
طبقة الأساس: وهي حالة الانشغال الاعلامي المستمر، غير المرتبطة بالأحداث وعادة تستهدف المحافظة على الولاء العام Loyalty في الحد القياسي الذي لا يجدر أن ينخفض دونه.
طبقة دعم الأجندة: وهي الحملات Campaigns أو الموجهات أو الأحداث التي تستهدف بناء عزم Momentum مؤقت لأو مستمر لصالح الأجندة الوطنية.
طبقة التشبع : وهي الدرجة الأعلى التي تدعم السياق الايجابي العام و تمنع الموجات الاعلامية المضادة أو تخفف من أثرها.
ربما أعود لمزيد من التفصيل ان تطلب الامر.