تحليل- أحمد يوسف التاي- قراءة في المشهد السوداني…”3″ سيناريوهات محتملة الحدوث
الناظر إلى الساحة السودانية، على أصعدتها السياسية، والأمنية والعسكرية، تستوقفه حالة الغموض القاتل، وتضارب المعلومات، وتقاطع الأجندة والمصالح الحزبية والإقليمية والدولية، مما يجعل قراءة المشهد السوداني ليس بالأمر الساهل.
ومع كل هذا الغموض تبرز (3) سيناريوهات لما يمكن أن يحدث بالسودان في مقبل الأيام، وذلك وفقًا لمعطيات محددة.
وتبدو هذه السيناريوهات الثلاثة المحتملة الحدوث على النحو التالي:
السيناريو الأول :
التفاوض المفضي إلى هدنة ثم إلى وقف دائم لإطلاق النار ثم إنهاء الحرب باتفاق سلام..
لكن هذا السيناريو سيجد نفسه أمام جملة من العقبات والصعاب التي تحول دون تحقيقه، إلا إذا تلاشت هذه العقبات والموانع..من هذه العقبات:
1- جوانب نفسية تحول دون التعايش سياسيا واجتماعيا مع ” الدعم السريع” كقوة عسكرية، وقوى اجتماعية، عبثت بأمن المواطن على نحو لم يتوقعه أحد بهذا الشكل، وكمشروع سياسي غامض الأهداف للغاية، وذلك بسبب الفظائع التي ارتكبتها قوات الدعم السريع واستهدافها للمواطن أكثر من القوات المسلحة،وهي إعتداءات جمعت كل الانتهاكات الوحشية التي يعرفها كل الشعب السوداني، والتي بدت وكأن حقدًا عميقًا يغذيها، الأمر الذي يباعد شقة التعايش معها واستئمان بوائقها.
2- العقبة الثانية أمام هذا السيناريو، أن الانتهاكات الفظيعة، والجرائم البشعة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع خاصة نهب ممتلكات المواطنين، وتشريدهم واستهداف وتدمير المنشئات العامة ومرافق خدمات المواطن مثل محطات الكهرباء والمرافق الصحية، ثبت جليا أن هذه الإعتداءات أصبحت سلوكًا عامًا لدى قوات الدعم السريع وليست جرائم فردية يمكن محاسبة مرتكبيها في إطار أي اتفاق سياسي ، اللهم إلا إذا أرادت قيادة الدعم السريع أن تتنصل عن بعض قادتها وعناصرها وتقدمهم “كباش فداء” للمقاصل والإعدامات لتحمي قادتها الذين صدرت عنهم التعليمات أو الذين قابلوا تلك الانتهاكات بالصمت أو التشجيع أو التحريض سرا وعلانية.
3 – ومن الأسباب التي تحول دون تحقيق السيناريو أعلاه ، هناك قوى سياسية واجتماعية وعسكرية مؤثرة جدًا وفاعلة جدًا في دائرة الفعل السياسي ومطابخ القرار ترفض أي شكل من أشكال التعامل مع الدعم السريع حاضرًا ومستقبلًا لذات الأسباب التي سبقت الإشارة إليها ولأسباب أخرى سيأتي الحديث عنها لاحقًا، ويبدو جليًا أنه من الصعب جدًا على القيادة تجاهل رفضها هذا، من فُرط تأثيرها.
السيناريو الثاني : “الإنفصال وتكوين دولة جديدة في دارفور”..
ومثلما أن هناك معطيات تشجع تحقيق هذا السيناريو على أرض الواقع، هناك أيضا معطيات أخرى تقلل من فرص حدوثه..
ومن أبرز المؤشرات وقرائن الأحوال التي تشجع حدوث هذا السيناريو، هو أن هناك قوى دولية مؤثرة وفاعلة تسعى لتقسيم السودان بهدف اضعافه، وهذه القوى لن تعدم وسائل تحقيق هذه الرغبة كما فعلتها في الجنوب، وهي الآن تمضي بخطى ماكرة وخبيثة في هذا الاتجاه، هذا فضلًا عن وجود قوى داخلية أيضًا، تبدو متساهله مع فكرة الإنفصال إن لم تكن تسعى سرًا لتحقيق ذات الهدف (الإنفصال)، وهي قوى عرف عنها تأريخيًا عدم إكتراثها لتقسيم البلاد إذا كان ذلك سيحقق مصالحها الحزبية، وأجندتها الآيدولوجية.
أما أبرز المعطيات التي تقلل من فرص حدوث هذا السيناريو هي أن انفصال دارفور ينطوي على حرائق وحروبات قبلية ستكون هي العنف والأبشع، لما تتسم به المجموعات القبلية في الإقليم من عداء تاريخي بين القبائل العربية التي تشكل مركز ثقل الدعم السريع، والقبائل الأفريقية التي تمثل بقية العرقيات التي تشكلت منها الحركات المسلحة التي تقاتل جنبا إلى جنب مع الجيش السوداني.
إذن هذه مخاوف لابد أن يضعها دعاة الانفصال، قبل دعاة السلام والوحدة، باعتبارها مخاوف يصعب التكهن بنتائجها النهائية، فربما تتحول إلى سهام يرتد إلى نحر مطلقوها.
السيناريو الثالث: استمرار الحرب بصورة أكثر شراسة وتدميرًا وتخريبًا على نحو يدفع المجتمع الدولي بالتدخل عسكريًا، وفي هذا السيناريو لابد أن تفرض القوى المهيمنة على العالم اجندتها وتحمي مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية وتفرض الوصاية في إطار نوعٍ من انواع الاستعمار المعروف بأشكال الجديدة كما حدث في العراق ونحوها ، وحينها ستذهب السيادة الوطنية أدراج الرياح، وبعدها لايدري أحد على وجه الدقة ماذا سيحدث.
وأخيرًا لابد من القول بأن السودان كوطن وبأجندته ومصالحه الوطنية، للأسف ليس حرًا في اختيار السيناريو الذي يحفظ أمنه واستقراره ويقوده نحو النهضة ورفاهية شعبه كما يتراءى ، بل (القوى) التي تتحكم في مقوده هي من تختار السيناريو الذي يحقق مصالحها هي وليس الوطن.. للأسف.











