تشكيل لجنة جديدة للنظر في قرارات ازالة التمكين يثير جدلا واسعا وقضاة وقانونيون يعلقون
القضاء السوداني يشكل لجنة جديدة للنظر في قرارات تصفية حكم البشير
قضاة وقانونيون يعتبرون القرار لفك أموال «فلول النظام المعزول»
أحدث قرار رئيس القضاء السوداني، عبد العزيز عبد الرحمن عابدين، بتشكيل لجنة مكونة من ثلاثة قضاة للنظر في الطعون والقرارات الصادرة عن لجنة تفكيك وإزالة تمكين نظام الرئيس السابق، عمر البشير، جدلاً واسعاً في الأوساط القانونية والسياسية. حيث اعتبر العديد من القضاة والمحامين أن هذه الخطوة تأتي في وقت حساس، خاصة مع عودة بعض قيادات النظام الإسلامي إلى الساحة السياسية، مما يثير تساؤلات حول دوافع هذا القرار.
في أعقاب الانقلاب الذي قاده رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، ضد الحكومة المدنية في 25 أكتوبر، تم تجميد عمل اللجنة السابقة. وقد تم إعادة تشكيلها تحت إشراف القاضي محمد علي محمد بابكر، المعروف بلقب “أبو سبيحة”، والذي يُعتبر من المحسوبين على التيار الإسلامي. هذا التغيير في القيادة القضائية يعكس التوترات السياسية المستمرة في البلاد.
ألغى “أبو سبيحة” العديد من القرارات التي أصدرتها لجنة إزالة التمكين، التي استردت ملايين الدولارات التي حصل عليها عناصر النظام المعزول بطرق غير قانونية. وقد تأسست لجنة إزالة التمكين ومكافحة الفساد واسترداد الأموال بموجب الوثيقة الدستورية التي تم توقيعها في أغسطس 2019 بين تحالف قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري في ذلك الوقت، وذلك بهدف استرداد الأموال العامة التي يُعتقد أن قادة النظام السابق قد حصلوا عليها بطرق غير مشروعة. كما تتولى اللجنة مسؤولية فصل وإبعاد المنتسبين للنظام المعزول من مؤسسات الدولة الحيوية.
وقد قامت اللجنة بمصادرة مئات الأصول وقطع الأراضي والعقارات المملوكة لشخصيات بارزة في نظام البشير، إضافة إلى حلفاء له من رجال الأعمال، بما في ذلك الاستثمارات الأجنبية. كما تم توقيف عدد كبير من المتهمين بالإثراء غير المشروع وفقًا لقانون اللجنة.
قال قاضي بمحكمة الدرجة الأولى لـ«الشرق الأوسط» إن هذا القرار يهدف إلى إعادة النظر في القرارات التي أصدرتها لجنة التفكيك، والتي لم يتم النظر فيها من قبل الدائرة القانونية السابقة التي كان يرأسها القاضي بابكر (أبو سبيحة)، إذ أصبحت تلك القرارات معلقة بسبب الظروف الحربية في البلاد.
وأوضح أن هناك جهات أخرى قد ترغب في الطعن أمام اللجنة السابقة بشأن قرارات لجنة إزالة التفكيك. كما أشار إلى أن هذا القرار يفتح المجال بشكل واسع للطعن والاستئناف في العديد من قرارات لجنة إزالة التفكيك، بما في ذلك الإجراءات المتعلقة بحل النقابات والهيئات التابعة للنظام المعزول.
وأضاف القاضي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن هذا القرار يؤكد أن جميع القرارات التي نظرتها لجنة القاضي «أبو سبيحة» «خاطئة»، لأنها لم تتبع التدرج المحدد في قانون لجنة إزالة التفكيك والفساد «الموضوعي والإجرائي»، الذي تم إلغاؤه بعد انقلاب 25 أكتوبر.
قال المحامي معز حضرة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن قرار تشكيل اللجنة ليس بالأمر الجديد، بل هو إعادة تشكيل للجنة القاضي «أبو سبيحة» بعد تقاعده، حيث لم تعد الدائرة القانونية التي كان يرأسها موجودة كمرحلة استئنافية. وذكر أنه يعتقد أن فلول حزب المؤتمر الوطني «المنحل» الذين لم يتم الإفراج عن أموالهم المصادرة بواسطة اللجنة السابقة، قد قدموا مطالب إلى عضو مجلس السيادة، إبراهيم جابر، الذي ترأس اللجنة بعد انقلاب 25 أكتوبر.
وكشف أن جابر قام بتحرير جميع الأموال والعقارات المملوكة لأعوان النظام المعزول، بناءً على انتمائه للتنظيم الإسلامي ومسؤوليته عن أموال الإسلاميين في العديد من الدول. وأوضح حضرة أن عودة «فلول المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية» بعد اندلاع الحرب في البلاد، دفعتهم للمطالبة بإلغاء قرارات لجنة التفكيك التي صادرت أموالهم. وأشار إلى أن قانون لجنة التفكيك يمنع رئيس اللجنة، إبراهيم جابر، من القيام بأي إجراء، مما دفعهم لإعادة تشكيل اللجنة القضائية مجددًا لرفع الحجز عن ما تبقى من أموال الأشخاص المرتبطين بالمؤتمر الوطني. واعتبر أن إصدار مثل هذا القرار في وقت تشهد فيه البلاد حربًا وآثارًا كارثية على الشعب السوداني، يؤكد بشكل قاطع سيطرة فلول النظام المعزول على جميع أجهزة الدولة بما في ذلك القضاء والنيابة.
وأضاف أن هذا ليس الوقت المناسب لإعادة أموال المتهمين بقضايا جنائية وفساد، فهذا يشكل إساءة لاستخدام العدالة. عضو لجنة إزالة التمكين «المجمدة»، وجدي صالح، قال إن قرار رئيس القضاء بتشكيل دائرة للنظر في القرارات الصادرة من لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو هو امتداد لسلسلة من الإجراءات التي تبنتها الانقلاب بعد 25 أكتوبر لمواجهة كل القرارات التي صدرت خلال الفترة الانتقالية، ساعية لإلغاء سياسات لجنة التفكيك من أجل إعادة تمكين فلول النظام السابق داخل مؤسسات الدولة والخدمة المدنية وإعادة الأموال التي تم نهبها. وأوضح أن القضاء يعمل كواجهة لإصدار هذه القرارات لتبدو قانونية، لكن الحقيقة مغايرة لذلك.
اعتبر صالح أن إعادة تشكيل الدائرة القانونية التي كانت يرأسها القاضي أبو سبيحة ومنحها حق النظر في الطلبات بموجب قانون الإجراءات المدنية، هدفه تمرير قرارات جديدة تستهدف حماية مصالح النظام المعزول.
وأشار إلى أن سلطات الانقلاب اتخذت إجراءات عدة لإلغاء قرارات لجنة التفكيك وتسليم الأموال لوزارة المالية. ورأى أن القرار لم يكن مفاجئًا بعد تهيئة المشهد بانقلاب 25 أكتوبر، وما تبعه من إعادة ترتيب للأوضاع بشن حرب في 15 أبريل 2023، في اعتقاد من الانقلابيين أن هذا هو الوقت المناسب لإلغاء تلك القرارات والقضاء على كل ما له صلة بثورة ديسمبر المجيدة التي أطاحت بنظام الرئيس عمر البشير. ولفت صالح إلى أن القرار يتزامن مع عودة فلول النظام المعزول المدانين بجرائم وفساد خلال فترة حكمهم، وظهورهم العلني مع قيادات الجيش السوداني يؤكد أن هذا القرار يمثل حلقة جديدة في عودتهم إلى السلطة مرة أخرى.