في خطابه الذي ألقاه يوم الأربعاء الماضي، أبدى حميدتي رفضه القاطع لأي حلول تفاوضية من شأنها إنهاء معاناة الشعب السوداني، التي تفاقمت نتيجة الحرب المستمرة منذ 15 أبريل 2023. وقد نص إعلان أديس أبابا، الذي تم توقيعه بين تنسيقية “تقدم” وقوات الدعم السريع، على ضرورة إيقاف هذه الحرب بشكل فوري، إلا أن هذا الأمر لم يتحقق حتى الآن.
في يناير الماضي، وقعت القوى المدنية الديمقراطية “تقدم” اتفاقاً مع قوات الدعم السريع تحت مسمى “إعلان أديس أبابا”. وقد أبدت قوات الدعم السريع في هذا الإعلان استعدادها لوقف الأعمال العدائية بشكل فوري ودون شروط، من خلال التفاوض المباشر مع الجيش السوداني. وأكد الإعلان أن مشروع خريطة الطريق وإعلان المبادئ يشكلان أساساً جيداً لعملية سياسية تهدف إلى إنهاء النزاع في السودان.
رغم ذلك، لم تلتزم قوات الدعم السريع بتطبيق أي من البنود المتفق عليها مع “تقدم” خلال فترة التوقيع على الإعلان، واستمرت في ارتكاب الانتهاكات في معظم المناطق التي تسيطر عليها. هذا الوضع يعكس التحديات الكبيرة التي تواجه جهود السلام في السودان، ويزيد من معاناة المواطنين الذين يتطلعون إلى إنهاء النزاع وتحقيق الاستقرار.
وقد انتج ذلك الى مطالبات بأن تبتعد “تقدم” عن “إعلان أديس”، خاصة بعد مجزرة ود النورة في ولاية الجزيرة في وسط البلاد.
صحح القيادي في “تقدم” وعضو مجلس السيادة السابق، محمد الفكي سليمان، عن الاتفاق الموقّع مع الدعم السريع، حيث ذكر خلال استضافته في “قناة الجزيرة مباشر” أنه إذا حافظ الاتفاق بين “تقدم” والدعم السريع على جوهره، فإنهم سيستمرون في التمسك به.
بعد التوقيع عليه مباشرة، تعرض “إعلان أديس” لانتقادات من قبل القوات المسلحة والحكومة القائمة في بورتسودان، حيث اعتبرت أن هذا الإعلان يعد تعديًا واضحًا على المؤسسات الحكومية القائمة.
بعد ساعات من التوقيع، جاء أول رد فعل رسمي من نائب رئيس مجلس السيادة، مالك عقار، حيث أكد أن “إعلان أديس أبابا” الموقّع بين قوات الدعم السريع وتنسيقية القوى المدنية يُعتبر “تقدماً” وهو اتفاق بين الشركاء.
وصف مسؤول عقار موقعي إعلان أديس أبابا دعم القوات السريعة بأنه “الذراع السياسية المعروفة للدعم السريع، وتساند تمردها”. وأضاف “أما لو كان هناك لقاء بين “تقدم” والحكومة السودانية، فنحن غير مطلعين عليه”.
من النقاط الأساسية التي أكد عليها الجانبان في الإعلان، أهمية أن يستند السلام الدائم في السودان إلى إنهاء تعدد الجيوش وإنشاء جيش مهني يمثل جميع الفئات وفقاً للمعايير السكانية.
اتفقت “قوات الدعم السريع” مع “تقدم” على إقامة إدارات مدنية بالتوافق مع سكان المناطق المتأثرة بالحرب، بهدف إعادة الحياة إلى مجراها الطبيعي، وتشكيل لجنة مشتركة لوقف وإنهاء النزاع وبناء السلام.
وتعهدت “الدعم السريع” أيضاً بإنشاء ممرات آمنة لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي تحت سيطرتها، بالإضافة إلى الإفراج عن 451 من أسرى الحرب والمحتجزين كخطوة من أجل بناء الثقة.
لكن الأطراف المتصارعة في السودان لا تزال تمثل عقبة أمام وصول المساعدات الإنسانية إلى الولايات المختلفة، على الرغم من انتشار الجوع والمرض.
وقد حذرت الأمم المتحدة من أن الوضع في السودان يمثل أكبر أزمة إنسانية في العالم، متهمةً أطراف النزاع باستغلال المساعدات الإنسانية لأغراض سياسية وعسكرية.
نتيجة لضغوط المجتمع الدولي، وافقت الحكومة السودانية في منتصف أغسطس، بعد تردد، على استعمال معبر أدري الحدودي مع تشاد لإدخال المساعدات الإنسانية إلى إقليم دارفور لمدة ثلاثة أشهر. ومع ذلك، لم تصل المساعدات إلى المستفيدين، بل تسربت إلى الأسواق، وفقًا لشهادات شهود عيان.
أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوشا) أنه تم نقل 1,253 طنًا متريًا من المساعدات الإنسانية عبر 38 شاحنة من خلال معبر أدري حتى 26 أغسطس، مما سيمكن حوالي 119 ألف شخص في مناطق متنوعة من الاستفادة منها.
لم تصدر القوى المدنية والديمقراطية المعروفة باسم “تقدم” أي رد فعل رسمي بشأن مصير “إعلان أديس أبابا” بعد الخطاب التصعيدي لقائد قوات الدعم السريع، الذي أعلن فيه توقف المفاوضات مع الجيش واستمرار العمليات العسكرية على كافة الجبهات.
ترى تنسيقية تقدم أن اتفاق أديس أبابا المبرم بينها وبين قوات الدعم السريع لم يكن هدفًا بحد ذاته.
وأوضح الناطق الرسمي باسم التنسيقية، بكري الجاك، أن الإعلان الصادر من أديس أبابا جاء بالتزامن مع قمة الإيغاد التي انهارت بعد أن رفضت الحكومة السودانية نتائجها، فضلاً عن رفضها لبيان جدة.
أكد الجاك خلال حديثه مع “التغيير” أنه بعد ذلك، دخلت قوات الدعم السريع إلى ولاية الجزيرة، وبدؤوا في اتخاذ خطوات لوقف الحرب.
وأضاف: “تواصلنا مع الجيش والدعم السريع، وفي البداية أبدى الطرفان موافقتهما.”
بناءً عليه، اجتمعنا مع قوات الدعم السريع، وتوصلنا إلى اتفاق يشمل إعلاناً يتضمن ستة مبادئ رئيسية، من بينها وحدة السودان والمساواة في المواطنة، وكما نص على وجود جيش مهني موحد، بالإضافة إلى بند يتعلق بحماية المدنيين.
وأضاف الجاك قائلاً: “ما قدمناه لقوات الدعم السريع كنا نرغب في طرحه أيضًا على القوات المسلحة السودانية، مشيرًا إلى أن الأخيرة وافقت كتابياً في 15 يناير الماضي على إجراء مقابلة، لكن هذا لم يحدث.”
وأضاف: “لم يتقدم الجيش بسبب وجود من روّج أن القوات المسلحة تعتبر حليفاً لقوات الدعم السريع من خلال إعلان أديس.”
أوضح المتحدث الرسمي لتنسيقية تقدم أن إعلان أديس لا يُعتبر ذا قيمة للتنفيذ ما لم توافق عليه القوات المسلحة، لأنه ليس اتفاقاً وإنما إعلان لمبادئ.
وأضاف: “ليس مهمًا ما إذا كانت قوات الدعم السريع ستعلن عن تنصلها من الاتفاق، أم لا.”
إن إعلان أديس أبابا لا يحمل قيمة عملية على الأرض لأنه يتضمن طرفاً مدنياً وآخر عسكرياً هو الدعم السريع.
وأوضح قائلاً: “قيمة إعلان أديس أبابا مقدمة للأطراف المتنازعة.”
أشار المتحدث باسم “تقدم” إلى أن الإعلان كان بإمكانه أن يحدث تغييراً ملحوظاً في وقته، لكن حيل بقايا النظام السابق والجيش منعتا من تحقيق ذلك.
واتفق الخبير الاستراتيجي طارق عمر مع الجاك، مشيراً إلى أن أحد الأسباب الرئيسية لفشل “إعلان أديس أبابا” هو رفض الجيش السوداني التوقيع عليه رغم قبولهم المبدئي.
واتهم عمر عناصر النظام السابق بخطف قرار الجيش بعدم التوقيع على الإعلان مع تقدم الأمور.
قال طارق لـ”التغيير”: “إذا وافق الجيش السوداني على هذا الإعلان، كان بإمكانه أن يساهم في تخفيف معاناة الشعب السوداني من التصعيد العسكري بين الطرفين في تلك الفترة، خاصة فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية التي استغلها طرفا النزاع كغطاء سياسي وعسكري، مما أثر سلباً على المواطن السوداني الذي لا تهمه صراعات الطرفين.”
أكد الخبير الاستراتيجي أن خطاب حميدتي كان بمثابة الضربة القاضية لآمال الشعب السوداني، الذي كان يتمنى حصول مفاوضات قريبة تعيدهم إلى وطنهم وبيوتهم التي هُجروا منها بسبب الحرب.
وأبرز أن استمرار التصعيد العسكري سيزيد من معاناة الشعب السوداني ويدمر البنية التحتية، مما يقتل أحلام الأطفال الذين حُرموا من التعليم لمدة عامين، دون أن تتحقق أي انتصارات لأي من الطرفين.
يرى المحلل السياسي عبد الباسط الحاج أن “إعلان أديس أبابا” يحتوي على خطأ سياسي جسيم، حيث وفر الدعم السريع غطاءً سياسياً كان يحتاجه، باعتباره “مليشيا” شبه عسكرية تمردت على الجيش السوداني وتفتقر إلى رؤية واضحة وأهداف محددة.
قال عبد الباسط لـ”التغيير”: “توقيع الإعلان كان له تأثير سلبي على العديد من القوى المدنية الديمقراطية مثل “تقدم”، لأنه لا يعود بفائدة، وتصنف “تقدم” على أنها داعم سياسي لقوات الدعم السريع”.
وأفاد أن الإعلان منح قائد الدعم السريع شرعية لتشكيل تحالفات ساعدت في تعزيز تحركاته ضمن المشهد الإقليمي.
وأضاف الحاج: “إن التصعيد الأخير في خطاب حميدتي يظهر توجهًا جهويًا خطيرًا يسهم في تفكيك النسيج الاجتماعي، ويعزز من الافتراض بأن الدعم السريع يرتكب جرائم بناءً على أسس جهوية وقبلية”.
وأكد أن ذلك يستلزم تحركاً سريعاً من القوى المدنية والديمقراطية لإعادة بناء الثقة مع جماهير الشعب السوداني بهدف تصحيح المسار.
المصدر:التغيير