العقوبات الأمريكية: تحليل مدى الفاعلية وتأثيرها على المسؤولين والحرب في السودان
متابعات موجز الأحداث
فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة الأسبوع الماضي على المدير العام للصناعات الدفاعية السودانية، ميرغني إدريس سليمان، متهمة إياه بالمشاركة في تزويد القوات المسلحة السودانية بالأسلحة المستخدمة في النزاع المستمر مع قوات الدعم السريع، الذي دخل عامه الثاني. تأتي هذه الخطوة في إطار جهود واشنطن للحد من العنف المتزايد في السودان.
وأشارت السلطات الأمريكية إلى أن سليمان كان “في قلب” عمليات شراء الأسلحة التي ساهمت في تصعيد النزاع، حيث يتولى إدارة وحدة تعتبر الذراع الأساسية للجيش السوداني والمسؤولة عن شراء وإنتاج الأسلحة. هذه الوحدة كانت قد خضعت لعقوبات من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية منذ أكثر من عام، مما يعكس القلق الدولي المتزايد بشأن الوضع الأمني في السودان.
في الأول من يونيو 2023، فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية عقوبات على هذه الوحدة، مشيراً إلى مسؤوليتها عن أعمال تهدد السلام والأمن والاستقرار في السودان. تأتي هذه الإجراءات في سياق محاولات المجتمع الدولي للضغط على الأطراف المعنية لوقف العنف وتحقيق الاستقرار في البلاد.
يعتبر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية “أوفاك” جهة استخبارات مالية تابعة لوزارة الخزانة الأمريكية، ويقوم بفرض عقوبات اقتصادية وتجارية بهدف حماية الأمن القومي وتعزيز السياسة الخارجية. وفقا لتصريح وزارة الخارجية الأمريكية، فإن “القوات المسلحة السودانية قد ركزت على شراء الأسلحة، بما في ذلك الطائرات المسيرة من إيران وروسيا، بدلاً من الاستجابة لنداءات السلام”. وأضاف البيان أن صفقات الجيش السوداني تضمنت تبادل الأسلحة مع روسيا مقابل استخدام أحد الموانئ السودانية، مما أدى إلى تصعيد النزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع.
بدأ سليمان مسيرته المهنية كضابط في القوات المسلحة السودانية، وتخرج مع قائد القوات المسلحة السودانية، الفريق عبد الفتاح البرهان، في الدفعة 31. كما عمل في جهاز المخابرات العامة قبل أن يتم تعيينه لقيادة الوحدة الأمنية. منذ أن تم تعيينه، أصبح واجهة لمشتريات القوات المسلحة، حيث قاد العديد من البعثات الرسمية إلى المزودين المحتملين. تهدف العقوبات الأمريكية، وفقًا لوزارة الخزانة، إلى تقليل قدرات الأطراف العسكرية على مواصلة القتال من خلال وقف إمدادات الأسلحة. يشير المراقبون إلى أن فرض العقوبات على شخصيات معينة من الجيش والدعم السريع، مع تجاهل الجهات الأخرى التي تساهم في استمرار الحرب مثل “الحركة الإسلامية”، قد يقلل من فاعلية هذه الإجراءات في إنهاء الصراع في السودان. أفاد خبير مصرفي ومالي تحدث لراديو دبنقا بوجود تواصل مباشر بين القوات المسلحة وطهران، وأشار إلى أن المليشيات وكتائب الحركة الإسلامية المسلحة تشارك بفاعلية في الحرب، ورغم ذلك لم تشملها العقوبات الصادرة عن وزارة الخزانة أو وزارة الخارجية الأمريكية. وأضاف قائلاً: “وهذا ما دفع البعض للتساؤل والدهشة حول مدى شمولية هذه العقوبات في معالجة جميع جوانب الحرب”.
تاريخ العقوبات
من ناحية أخرى، أكد الخبير الاقتصادي د. وائل فهمي في حديثه لـ”راديو دبنقا” أن العقوبات المفروضة على مؤسسات حكومة السودان بدأت منذ عام 1997 تحت مسمى “الدولة الراعية للإرهاب”، وقد كانت ترتكز على منع التكنولوجيا وفرض حصار على التجارة الخارجية للسودان، من خلال منعه من التعامل بالدولار بشكل أساسي. وأشار في هذا السياق إلى استهداف مصنع الشفاء في بحري خلال عملية عسكرية نفذتها الولايات المتحدة، بدعوى أنه يقوم بإنتاج سلاح يؤدي إلى الإصابة بالشلل الرعاش. وأضاف قائلًا: “تستمر أزمات العقوبات الأمريكية في التفاقم على السودان بشكل شبه سنوي، مما تسبب في الأضرار للشعب واقتصاده أكثر من الأضرار التي لحقت بالشخصيات”. وأضاف قائلًا إن “العقوبات الأمريكية تهدف في الأصل إلى دفع الحكومات لتغيير سلوكها أو قراراتها وفقًا للرؤية الأمريكية.” أوضح فهمي أن حكومة النظام السابق، حكومة البشير، على الرغم من قصف مصنع الشفاء قبل الفترة الانتقالية، استطاعت تطوير أنظمتها الدفاعية، مما يدل على أن تلك العقوبات لم تؤثر على قدرة الحكومة في إنتاج وتلبية احتياجاتها العسكرية. وأشار إلى أن هذا الأمر لم يتغير حتى خلال حرب 15 أبريل 2023 الجارية، والتي تواجه فيها ميليشيا الدعم السريع استخدام المال والعتاد الأجنبي، كما وصفها.
رفع إسم السودان
اعتبر أن إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب خلال الفترة الانتقالية لم تُسهم في محو آثار تلك العقوبات، ولم تقلل من قدرة الحكومة في ذلك الوقت على تلبية احتياجاتها العسكرية. وأضاف قائلاً: “أي أن تلك العقوبات لم تحقق أي فائدة عسكرية أو اقتصادية تذكر على المستوى الدولي، وأن الشعب السوداني تحمل تبعاتها بشكل شبه كامل”. وأضاف “بالطبع، ليست أمريكا الدولة الوحيدة التي تنتج وتصدر الأسلحة، كما أن الشخصية المعاقبة ليست الوحيدة في السودان التي تسعى لتوريد السلاح للجيش السوداني.” وقال: “لكن قرار تعيين مدير منظومة الدفاعات السودانية ما هو إلا إشارة للناخبين الأمريكيين بأن (الإدارة الأمريكية) لا تدعم استمرار الحروب على الصعيد العالمي”.
الإشارة الأخطر
رأى الخبير الاقتصادي د. وائل فهمي أن القرار يتضمن ما يعتبره إشارة أكثر خطورة في تقويض المؤسسة العسكرية الرسمية، مع افتراض وجود قدرات تمويل ذاتي، في مواجهة العدوان على أرض وشعب السودان، كما وصف. وأضاف: “بغض النظر عن المبررات الأيديولوجية أو التصنيفية للإرهاب، وعن تكيف السودانيين مع العقوبات الأمريكية المستمرة، حتى على مستوى موظفي الدولة، وكذلك عن الخسائر الاقتصادية التي قد تترتب على العقوبات السابقة، مثل استبدال الآليات والمعدات لمختلف المؤسسات الحكومية وعمليات الاقتراض خلال فترة الحكم السابق، فإنه من الناحية الموضوعية، لن يكون للعقوبة الحالية نفس التأثير الاقتصادي والمالي الذي كان له سابقًا”. واستنتج أن هذه العقوبات قد لا يكون لها تأثير مالي على أداء المؤسسة العسكرية، على الأقل في الأجل المتوسط. أشار إلى أن الإدارة الأمريكية تضع مصالحها في المقدمة، وتفرض عقوبات على كل ما عدا ما يؤثر على مصالحها الاقتصادية (مثل قرار الحصار على الصمغ العربي في تسعينيات القرن الماضي). وأضاف “إنهم يتعاملون مع الحكومات لخدمتها، وهي دائمًا خاضعة لهم، أو هكذا يعتقدون”.
المصدر: راديو دبنقا