احدثت التصريحات القوية التي أدلى بها الناظر سيد محمد الأمين ترك، ناظر عموم قبائل الهدندوة، قلقاً واسعاً من إمكانية عودة التوتر إلى شرق السودان، بعد فترة من الهدوء النسبي التي استمرت لأكثر من عام بفضل جهود مبادرات التعايش السلمي. في الوقت نفسه، تشهد ولاية البحر الأحمر تصاعداً في حدة الخلافات بين شيبة ضرار، رئيس تحالف أحزاب وحركات شرق السودان، وحركتي العدل والمساواة بقيادة جبريل وحركة تحرير السودان بقيادة مناوي.
خلال افتتاح مقر مكاتب قوات الاحتياط والاستنفار في محليات غرب ولاية البحر الأحمر، والتي تشمل سنكات، هيا، ودرديب، ألقى الناظر ترك كلمة أمام حشد من أنصاره، بحضور العميد عبد القادر الشاذلي، رئيس لجنة الاستنفار. وأكد ترك أن نشر قوات تم تدريبها في إريتريا في شرق السودان يعد أمراً غير مقبول، مشيراً بذلك إلى قوات الأورطة الشرقية.
تأتي هذه التصريحات في وقت حساس، حيث يسعى العديد من الفاعلين السياسيين والاجتماعيين إلى تعزيز الاستقرار في المنطقة. ومع تصاعد التوترات، يبقى الأمل معقوداً على الحوار والتفاهم بين الأطراف المختلفة لتفادي أي انزلاق نحو العنف، وضمان استمرار جهود التعايش السلمي في شرق السودان.
اعتُبر تزامن نشر القوات مع وصول المستشارين المنشقين عن الدعم السريع، وبالأخص الدكتور عبدالقادر إبراهيم (اقيراي)، فضلاً عن وصول شخصيات قادمة من تركيا، في إشارة إلى رئيس المؤتمر الوطني المنحل إبراهيم محمود، أمرًا خطيرًا ويوجد تحديات جديدة في شرق السودان، وقد يعيد الوضع إلى نقطة الصفر. أعلن ترك عن رفضه إقامة معسكرات استنفار جديدة في مناطق لم تشهد استنفاراً سابقاً، مشيراً إلى المطالبات بفتح معسكرات جديدة في همشكوريب، التي يشرف عليها الزعيم الديني المعروف سليمان علي بيتاي، والذي يختلف مع الناظر ترك في إطار النشاط الأهلي.
تأتي هذه التطورات بعد أن تمكّن شرق السودان من تجاوز توترات استمرت لسنوات، وذلك عقب توقيع ميثاق مبادرة أبناء البجا في الخدمة العامة للسلم المجتمعي في كسلا في أواخر العام الماضي. هذا الميثاق جمع للمرة الأولى بين ناظر عموم الهدندوة سيد محمد الأمين ترك وناظر عموم البني عامر علي إبراهيم دقلل بعد سنوات من القطيعة، بينما نشطت مبادرة منصة نادي البجا في البحر الأحمر في سياق المصالحات المجتمعية.
نشر قوات الأورطة الشرقية
أعلنت قوات الأورطة الشرقية التابعة للجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة، بقيادة الأمين داوود، وهو أحد قادة الكتلة الديمقراطية، عن نشر قواتها في شرق السودان بالتعاون مع الجيش خلال الأيام الأخيرة، مما أثار جدلاً واسعاً. كما أعلن مؤتمر البجا، برئاسة موسى محمد وهو المستشار السابق للرئيس المخلوع عمر البشير، عن نشر قواته أيضاً في شرق السودان.
منذ بداية العام الحالي، قامت مجموعة من الحركات بإنشاء معسكرات تدريب في دولة إريتريا المجاورة، مثل قوات الأورطة الشرقية بقيادة الأمين داوود، وقوات مؤتمر البجا بقيادة موسى محمد أحمد، وحركة تحرير شرق السودان بقيادة إبراهيم دنيا، والحركة الوطنية لشرق السودان بقيادة محمد طاهر بيتاي، بالإضافة إلى أطراف أخرى. وقد أنهت هذه الحركات تدريب عدة دفعات، قبل أن تعيد قوات الأورطة الشرقية ومؤتمر البجا قواتها إلى شرق السودان، في حين أن قوات تحرير شرق السودان والحركة الوطنية لشرق السودان تمتنع عن إعادة قواتها.
وفقًا لمصادر راديو دبنقا، فقد تخلى الأمين داوود عن موقف الحياد وأعلن دعمه للجيش بعد اجتماعه مع ياسر العطا في أمدرمان في الأسبوع الأخير من سبتمبر الماضي، برفقة عدد من مستشاريه. وتم الاتفاق بين الطرفين على إنشاء مقرات إدارية للفرقة الشرقية في ولايات شرق السودان الثلاث، بالإضافة إلى توفير الميزانيات والمركبات اللازمة. بناءً على هذا الاتفاق، قامت الأورطة بإرجاع الدفعة الأولى من قواتها إلى كسلا، وتم تخصيص مقر لها في المعسكر الشمالي للجيش في كسلا، حيث استمرت في تدريبها هناك.
لكن وفقًا للمصادر، فإن قوات تحرير شرق السودان والحركة الوطنية لشرق السودان تفضلان عدم نشر قواتهما. ومع ذلك، فقد أعلنوا في الوقت نفسه عن استعدادهما للدفاع عن شرق السودان إذا واجه أي تهديدات. وبحسب نفس المصادر، كانت القوات المسلحة تبدى في البداية بعض التحفظات بشأن فتح معسكرات التدريب في إرتريا، وناقشت هذه القضية مع الحركات المعنية دون أن تتواصل مباشرة مع الحكومة الإريترية، وذلك لتفادي إثارة ردود فعلها، خصوصًا وأن الحكومة الإريترية قد أعلنت دعمها للجيش خلال الحرب الحالية.
تدعو العديد من الجهات حركات شرق السودان إلى تشكيل قوة مشتركة على غرار الحركات المسلحة في دارفور، وذلك من أجل تجنب تفاقم الاختلافات بينها، مما قد يُهدد الاستقرار في شرق السودان. أعلنت قوات تحرير شرق السودان في بيان صادر عن مجلسها المركزي، الذي اجتمع في شهر أكتوبر الماضي، أنها اعتمدت ميثاق حماية شرق السودان. وأوضحت أنها ستقوم بعرض هذا الميثاق كمسودة على الفاعلين في الإقليم، وبالأخص الحركات المسلحة، والقوى السياسية، ومنظمات المجتمع المدني. من جهتها، أكدت الجبهة الشعبية المتحدة برئاسة الأمين داوود تكليف آلية من المجلس القيادي بصياغة مذكرة أولية تكون بمثابة خارطة طريق لجميع فصائل شرق السودان، وتفعيل التنسيق السياسي والعسكري فيما يتعلق بقضايا وتحديات الإقليم.
على الرغم من هذه التطورات، تزداد المخاوف بشأن العواقب السلبية لإنشاء قوات تتكون من عناصر قبلية، وسط تحذيرات من تأثير ذلك على الأوضاع في شرق السودان. يرى إبراهيم إسماعيل، القيادي في مبادرة منصة نادي البجا، في حديثه لراديو دبنقا، أن انتشار قوات الأورطة الشرقية التابعة لمؤتمر البجا برئاسة موسى محمد أحمد يأتي ضمن جهود دعم الجيش في الدفاع عن شرق السودان.
كشفت مصادر لراديو دبنقا أن مبادرات التعايش السلمي انطلقت بشكل واسع لاحتواء آثار تصريحات ترك، وتوجت بإصدار بيان من أمين الإعلام بالمجلس الأعلى لنظارات البجا، عبدالباسط منصور ود حاشي، الذي نفى خلاله أن يكون الناظر ترك قد أدلى “بأي تصريح لأي وسيلة إعلامية بخصوص هذا الموضوع، وأن قوات الأورطة الشرقية، مثلها مثل بقية الفصائل المسلحة، تعمل تحت قيادة القوات المسلحة وبتنسيق كامل معها وفقاً لما ذكره قادتها”.
ويأتي هذا النفي رغم أن التصريحات التي أدلى بها ترك موثقة بالفيديو ومنشورة على صفحات مؤيديه على فيسبوك. من جهته، رأى سيد أبو آمنة، الأمين السياسي للمجلس الأعلى لنظارات البجا، أن نشر القوات التي يقودها الأمين داوود هو محاولة من “نظام الخرطوم للزج في مشروع الفتنة والدماء، بل وتحويل الصراع السياسي التنافسي إلى مستوى الاقتتال المسلح”.
وأكد أن نشر القوات يأتي كجزء من تغيير ديموغرافي. اعتبر نشر هذه القوات إعلاناً للحرب، مطالباً بتعبئة شاملة لشباب البجا للتصدي لأي تواجد عسكري لهذه القوات.
المستشارون الذين انشقوا عن قوات الدعم السريع .. أزمة جديدة
أفاد الناظر ترك بأنه يحتفظ برأيه بشأن عودة المستشارين المنشقين عن قوات الدعم السريع، مشيرًا إلى الدكتور عبدالقادر إبراهيم، متهماً إياهم بالمشاركة فيما وصفه بإثارة الفتنة والحرب في شرق السودان على مدى السنوات الماضية. وأوضح أنه “لا جدوى من محاربة الدعم السريع في ظل استقبال مستشاريه”. وصل الدكتور عبد القادر إبراهيم، المستشار السابق لقائد الدعم السريع للشؤون الشرقية، إلى بورتسودان الأسبوع الماضي، وأجرى مؤتمراً صحفياً برفقة عدد من المستشارين ليعلن انشقاقه عن الدعم السريع. كما التقى برئيس مجلس السيادة، لكن قوات الدعم السريع نفت أي صلة للمستشارين بها.
قبل اندلاع الحرب، كان الدكتور عبدالقادر إبراهيم يعمل مستشارًا لحميدتي في شؤون شرق السودان، كما أنه أسس في وقت سابق حزبًا يحمل اسم حزب الشرق للعدالة والتنمية. في سياق حديثه، دعا عبد الله أوبشار، مقرر المجلس الأعلى لنظارات البجا، قيادة الدولة إلى التحقيق مع مستشاري قائد الدعم السريع المنشقين وتقديمهم للمحاكمة بسرعة. ووجه إليهم تهماً بمساعدتهم لقائد الدعم السريع في ما اعتبره جرائم في الشرق، مشيراً إلى التحديات القبلية ومسار الشرق وما أسماه بتفتيت وحدة الإدارة الأهلية والمجلس الأعلى، وصولاً إلى محاولة إنشاء ميناء أبوعمامة ومعسكرات تدريب لخفر السواحل. من ناحية أخرى، قامت مجموعات أخرى بالدفاع عن الدكتور عبدالقادر اقيراي، مؤكدة عدم تورطه في أي توترات، وموجهة الاتهامات لجهات أخرى.
وقد اتخذت الخلافات بين الأطراف المدافعة والمهاجمة طابعًا إثنيًا.
هجوم على رئيس المؤتمر الوطني السابق
قال الناظر ترك في نفس الخطاب: “إن نفس المجرمين الذين عملوا ضد مكونات معينة أثناء وجودهم في السلطة، قد جاءوا الآن من تركيا لإثارة الفتنة”، مشيرًا بذلك إلى إبراهيم محمود، رئيس المؤتمر الوطني المحلول. وأضاف: “إذا أصبح هذا الشخص رئيسًا للمؤتمر الوطني، فإن حزب شارون أفضل من هذا الحزب”.
ثم تابع قائلاً: “هذا أسوأ من حميدتي، فقد حاربنا عندما كان في السلطة ولم يترك شيئًا. وهو مخطئ إذا اعتقد أنه سيتمكن من حكم الشرق”. يُقلل إبراهيم إسماعيل، القيادي في مبادرة منصة نادي البجا، في مقابلة مع راديو دبنقا، من تأثير هذه التطورات على السلم المجتمعي في شرق السودان. حيث أشار إلى أن تصريحات الناظر ترك الغاضبة وانتقاداته لإبراهيم محمود تأتي في سياق الخلافات بين أعضاء المؤتمر الوطني ولا تتعلق بالشأن المجتمعي.
يقول بعض المراقبين إن تصريحات ترك تأتي في سياق الاختلاف بين جناحي إبراهيم محمود وعلي كرتي في المؤتمر الوطني، حيث يُعتبر التيار الأخير الأقرب إلى الجيش. قبل سقوط النظام السابق، كانت علاقات ترك وإبراهيم محمود تشهد توترات, خصوصًا أثناء فترة تولي الأخير ولاية كسلا لمدتين وأيضًا خلال فترة شغله منصب نائب رئيس المؤتمر الوطني. يحذر المحلل السياسي خالد محمد نور من المخاطر التي تشكلها الخلافات في شرق السودان في الوقت الراهن.
ويشير إلى أن الوضع الحالي يتميز بامتلاك القبائل لفصائل مسلحة ومدربة، مع وجود ضعف أمني كبير وغياب واضح للسلطة، في ظل تواجد اقليمي يتربص بالسودان وصراع مستمر. وأضاف أن اندلاع صراع أهلي جديد في المنطقة قد يدل على انتهاء فترة السودان. معسكرات تأهب جديدة في شرق السودان أعلن الناظر ترك في كلمته عن رفضه لفتح معسكرات استنفار جديدة في مناطق وجهات لم تشارك مسبقا في الاستنفار. ودعا إلى عدم إرضاء من وصفهم بالخونة على حساب المستنفرين الذين وقفوا مع الجيش منذ انطلقت الرصاصة الأولى. وتابع قائلاً: “لا مكان للعودة الآن لأنصار الإطاري”.
وأشار إلى أن بعض القوات التي تلقت تدريبات في إريتريا تسعى للدخول تحت مظلة فتح معسكرات استنفار جديدة، موضحاً أنها أعلنت دعمها للجيش بعد أن شهدت الانتصارات.
تأتي هذه التصريحات عقب إعلان نظارة عموم قبائل الجميلاب والكرياتي، التي ترفض ترك الاعتراف بها، عن حالة الاستنفار والتعبئة العامة لشباب قبائل الجميلاب في المحليات الشمالية بولاية كسلا، وكذلك في مناطق القاش (أروما، وقر، تلكوك، همشكوريب، ورباب، وطوكر)، وقطاع بورتسودان من مناطق (درديب، هيا، تهاميم، جبيت، سنكات، وسواكن). أعرب الناظر في بيان قيادة اللواء 43 في أروما عن التعاون الكامل والاستعداد لاستقبال المستنفرين من أبناء القبيلة، وتقديم كافة أشكال الدعم اللوجستي والمعنوي لضمان نجاح هذه المهمة.
لكن العميد عبد القادر الشاذلي، قائد قوات الاستنفار، أيد ما قاله الناظر ترك بشأن عدم فتح معسكرات جديدة، مشيراً إلى أنهم لن يتعاملوا مع الجهات التي تسعى للانضمام حديثاً.
شيبة ضرار وحركات دارفور
تشهد مدينة بورتسودان أيضًا توترات بين شيبة ضرار، رئيس تحالف الأحزاب والحركات المسلحة في شرق السودان، وحركتي العدل والمساواة بقيادة جبريل وحركة تحرير السودان بقيادة مناوي. واصل شيبة ضرار الخميس حملته ضد الحركات المسلحة، مطالبًا أبناء شرق السودان بعدم دعم الحركتين.
لكن إبراهيم إسماعيل يؤكد لراديو دبنقا أن تحركات شيبة ضرار وانتقاداته لحركتي مناوي وجبريل تأتي في سياق خلافات نتيجة لرئاسته للمقاومة الشعبية في البحر الأحمر. وأشار إلى الجهود التي تقوم بها منصة نادي البجا في هذا الصدد من أجل خفض التوتر من خلال الحوار مع شيبة ضرار. خلاصة القول، إن شرق السودان يمر بأوضاع خطيرة في ظل انتشار قوات عسكرية ذات طابع قبلي، مما قد يساهم في تفاقم الأوضاع.