عثمان ميرغني يكتب : تعيين الوزراء الجدد..
الموجز
لا خلاف أن تعيين السفير علي يوسف وزيرا للخارجية.. والزميل الصديق الأستاذ خالد الأعيسر وزيراً للاعلام الثقافة خطوة للأمام.. فهما يملكان خبرة كل في مجاله.. ولهما جرأة الخروج عن المألوف التي يفتقدها كثير من المسؤولين خاصة في المواقع القيادية.. ولكن..
بكل أسف التعيين لا يزال مصحوبا بالكلمة المهينة المحبطة (المكلف).. والتي تعني في السياق العام أنه وزير إلا ربع.. فيه ما ينتقص من قدرته على شغل المنصب كاملا..
ومثل هذا التوصيف الذي ظل سائدا منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021 يقلل من قدرة شاغل المنصب في التحرك خاصة على الصعيد الخارجي.. بروتوكوليا تسحب هذه الكلمة قدرا من الوزن الدبلوماسي الذي يجعل الوزير في مستوى أقل من نظرائه في الدول الأخرى.. عند أي لقاء ثنائي أو محفل اقليمي او دولي.
و السؤال الحتمي هنا.. ما الفائدة من الاصرار على اقتران الوزراء بكلمة “المكلف”؟.. ما الحكمة في أن يكون وزير الخارجية مثلا يحمل في جبينه علامة “المكلف” كلما التقى بوزير خارجية دولة أخرى؟..
لا أجد تفسير لذلك سوى أن من أصدر أمر التعيين وأصر على هذه الكلمة يمعن في تكريس حالة الاحساس بأن الوزير هو مجرد “دوبلير” يشغل المنصب بصفة غير حقيقية قابلة للسحب في أية لحظة.. فيظل الوزير مخنوقا في غياب التكليف الرسمي.. غير قادر على ممارسة سلطاته الحقيقية.
أما الامر الآخر الأكثر غرابة.. فهو صدور ترشيحات الوزراء من مجلس السيادة.. لماذا لا يعين رئيس الوزراء الذي يتولى تعيين الوزراء الذين يثق في أنهم قادرون على أداء مهامهم بالصورة المطلوبة؟..
حسب الوثيقة الدستورية السودان حاليا دولة تعمل بالنظام البرلماني.. ورغم أني اعتقد أن هذا النظام غير صالح للحالة السودانية.. لكنه الأمر الواقع.. وفي غياب البرلمان الذي يعين رئيس الوزراء فمن الممكن لمجلس السيادة – مجتمعا وليس رئيس المجلس منفردا- أن يعين رئيس الوزراء الذي يتولى تشكيل الوزارة بمعرفته ثم تجاز من الجهة التي عينته.
الاصرار على اضعاف هياكل الدولة ليس له الا تفسير واحد هو رغبة رئيس مجلس السيادة في تكريس السلطات في يده.. وهذا أمر بالغ الخطورة وغير قابل للاستمرار طويلا.. فهو يخلق فراغا مؤثرا على تماسك قوام الدولة.. مهما بدا ذلك غير منظور أحيانا..
والأوضاع في السودان الآن وصلت مرحلة من التدهور المريع.. خاصة في الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والبيئة والسكن.. في ظل ظروف استئثنائية تخوض فيها البلاد ملحمة بطولية لانفاذ القانون وابطال التمرد الواسع..
كان من الأولى التركيز على تقوية دعائم الدولة بالهياكل المؤسسية التي توفر بيئة رشيدة لصناعة القرار و ادارة الدولة.
مع التهئنة للوزراء الجدد.. من الحكمة أن يسمعوا نصيحتنا الغالية أن السودان ينتظر عقولا جديدة.. ومنهج تفكير جديد.. وهنا المحك في النجاح.
وبالله التوفيق.
صحيفة التيار