مقالات

عثمان ميرغني يكتب: الوقت المناسب..

 

اجتماع مجلس الأمن أمس حول السودان ترأسه المندوب البريطاني.. وقال فيه (إن الوقت غير مناسب لنشر قوات أممية في السودان).. و معلوم فعلا أن اصدار أي قرار من مجلس الأمن يتطلب “الوقت المناسب” خاصة من الزاوية الاجرائية في ضمان الأصوات المؤيدة وتحييد بطاقات الفيتو.
لم تعترض بريطانيا على نشر القوات الأممية في السودان من حيث المبدأ.. من باب أنه فعلا مهدد خطير لن يحمي المدنيين كما يُبرر لذلك، وقد يدخل السودان في سيناريوهات مواجهات متعددة الأقطاب الداخلية والخارجية.
بل حددت بريطانيا أن العلة هي في البحث عن “الوقت المناسب”، الذي قد يتحقق في أسبوع أو شهر أو أكثر.. فيصبح كأنما القرار أساسا من حيث المبدأ أجيزـ وبقي فقط معالجة يوم ميلاده المناسب.
و سيكون خطأ فادحا لو فرح البعض بهذه المهلة – غير معلومة المدى- واعتبرها نصرا يحجب التدخل ويكف غوائل القوات الأممية.. فالمفترض أن يدرك أصحاب الحل والعقد في السودان أن المطلوب عمل كبير لتجنب الوصول إلى مرحلة “الوقت المناسب”.. عمل ليس بالضرورة داخل أروقة المنظمة الدولية.. بل هنا في السودان.. حيث موطن الأزمة و أصحاب المصلحة في انهائها اليوم قبل الغد.
معطيات قرار أممي بالتدخل العسكري المباشر لحماية المدنيين لا ترتبط بالواقع العسكري و توالي الخسائر بين المدنيين و تدمير البنى التحتية الحتمية لخدمة الإنسان فحسب.. بل و لتقديرات سياسية في المقام الأول أن الجهة المنوط بها حماية المدنيين في البلد المعني لا تلتزم بما يكفي لحماية مواطنيها.
و الحقيقة أن الواقع المؤلم الذي يكابده المواطن السوداني في المناطق الواقعة في مرمى النيران.. لا يجد فعلا كافيا من الحكومة لتغييره.. ولا أقصد بذلك أي عمل عسكري فهذا أمر نحن لا نتدخل فيه ونثق أن تقديرات الجيش ليست معروضة في الهواء الطلق.
الذي يمكن أن تفعله الحكومة لتجنب التدخل الأممي.. أن تدرك أنها بحاجة حقيقية للانخراط في مفاوضات السلام التي دعت إليها الوساطات الدولية و الاقليمية.. فالعزوف كليا عن المشاركة دون توفير بدائل توضح أن هناك مسارا سلميا مواز للعمل العسكري.. يجعل الحكومة في نظر المجتمع الدولي كأنما تضرب عرض الحائط بسلامة مواطنيها و مصالحهم.. وتمضي في العمل العسكري بلا سقف..
طالما أن هناك وساطات ورجاءات دولية لانقاذ السودان.. فمن المحتم أن تبرز الدولة السودانية ما يبرهن أنها أكثر حرصا على ذلك.. إما بالانخراط المباشر في المفاوضات أو أن تبتدر هي المفاوضات بمنتهى الجدية و الصدق للبحث عن نقطة نهاية لما ظل يجري في الوطن منذ صباح السبت 15 أبريل 2023.
اقترح أن تشكل الدولة لجنة عليا مستقلة للسلام.. مهمتها ادارة الملف التفاوضي بل و التعامل المباشر مع المبادرات والوساطات وحتى الأمم المتحدة. هذه الهيئة لن تتدخل في العمل العسكري اطلاقا فلا تفويض لها في هذا المسار، بنفس القدر الذي يجب على الأطراف الأخرى في الدولة عدم التدخل في عمل هذه الهيئة..
من الحكمة أن نعطى مسار السلام فرصة قبل أن يحين “الوقت المناسب”..
ولات حين مندم..

التيار

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى