مقالات

عبداللطيف البوني يكتب..نجي ولا ما نجي؟

مقالات

عبداللطيف البوني

بسم الله /حاطب ليل/١٧ يوليو ٢٠٢٥
نجي ولا ما نجي؟
في ثمانينات القرن الماضي كتبت موضوعا في صحيفة سيارة ابديت فيه استغرابي عن عدم انشغال الناس بأمر سياسي ما.. بعد عدة ايام قابلني بنادي الأساتذة العالم الجليل البروفسور عبد الله حسن زروق رئيس شعبة الفلسفة بجامعة الخرطوم طيب ثراه… ما كنت أظن انه يعرفني لان الفارق كبير بيني وبينه علما ومعرفة وعمرا… فقال لي قرأت موضوعك الذي طالبت فيه الناس ان يهتموا بالأمور السياسية لكنني أرى أن الناس يجب أن تنصرف الي شئونها الخاصة وليجود كل صانع صنعته ويهتم بها ويترك امر السياسة للمشتغلين بها والمتخصصين فيها.. فقلت يا استاذنا لكن لابد لأي إنسان من أن يتعاطى السياسة لانه هو الذي يختار من يحكمه على الاقل نظريا ثم ثانيا اذا تركنا امر السياسة للسياسيين فإن هذا يفضي الي احترافها والمحترفون السياسيون مشكلة… فقال لي أن الذي يريد ان يحكم عليه تجويد برنامجه والسعي به نحو الناس دون ان يصرفهم عن اشغالهم لان لو كل الناس اشتغلوا بالسياسة فسوف تصبح حياتهم كلها صراع سياسي.. لقد كان نقاشا شيقا ومثمرا استفدت منه كثيرا إذ اشترك فيه عدد من الاساتذه الذين جذبهم الموضوع… رحم الله من رحل منهم ومن لا يزال يكابد مشاق الحياة…
النكبات المتلاحقة التي ابتلانا الله بها في العقود الأخيرة جعلتنا كلنا غارقين في السياسة ثم جاءت ثورة الاتصالات فجعلت كل الشعب سياسيين واعلامين… والانكأ كثر محترفي السياسة اي الذين ياكلون منها عيش… فشكل المال السياسي رقما في حياتنا.. الأمر الذي فتح ثغرة أو بالأحرى أحدث شرخا في جدار مناعتنا السياسية… زاد الاستقطاب فأصبح حادا واقسم معظم الناس الي مع وضد… وتلاشت المساحة الرمادية التي يمكن أن نلتقي فيها
لقد حدث تجريف سياسي لكل قضايانا فهناك موضوعات ما كان ينبغي لها ان تناقش في أطر سياسية مثالا لذلك ناخذ قضية العودة للاوطان اقصد الأوطان الصغيرة والوطن الكبير… فالمعلوم ان هذة الحرب اللعينة الماثلة الان هجرت فوق العشرة ملايين مواطن من مساكنهم لأنها كانت عدوانا صارخا على المواطن العادي الذي كان امنا في سربه… فأصبح ذلك العدد الكبير بين نازح داخل البلاد أو لاجئا خارج البلاد… والآن بعد تحرير وسط السودان حيث الكثافة السكانية التي أخرجت من دارها عالية… عاد معظم الذين نزحوا داخل البلاد الي مضاربهم حيث الحال من بعضه بمعنى ان المناطق التي نزحوا لها شملتها آثار الحرب المباشرة فالمسيرات لم تترك كهرباء ولا خزان وقود
بقي الذين شتتوا خارج البلاد فهؤلاء عاد بعضهم من اول وهلة وبقي بعضهم بالخارج ولكن معظمهم في حالة حسابات خاصة به بين البقاء في الخارج أو العودة للبلاد.. حسابات اقتصادية واجتماعية نسبية اي مختلفة من أسرة الي أسرة ومن فرد الي فرد لكن للأسف زحفت السياسة على هذا الموضوع الاجتماعي الاقتصادي الخاص فجعلت منه قضية سياسية…. بمعنى اذا تحدثت ايجابا عن الرجوع فأنت مؤيد للنظام الحاكم واذا تحدثت سلبا فأنت معارض… فانقسمت المؤسسات الإعلامية وفقا لهذا التصنيف الأمر الذي ادي الي تغبيش في الرؤية وجعلت القرارت الفردية متأثرة بهذة النظرة السياسية الضيقة ان لم نقل السخيفة
امر العودة من عدمها يخص كل أسرة لحدها لان ظروف الأسر متباينة فهناك من الأسر ما ضاقت بها الحياة في الخارج وعجزت حتى عن حق الإيجار….فهذة لابد لها من العودة وهناك أسر ليس لديها مشكلة في الإقامة في الخارج فقررت البقاء لاطول مدة في الخارج… وهناك أسر انقسمت رجع بعضها ولزم بعضها الغربة نتيجة دواعي صحية وتعليمية… كما أن حالة المنطقة عامة وحتى المسكن الخاص له دور في اتخاذ القرار… فمثلا الذين يقطنون خارج العاصمة تشجعوا للعودة لان التعافي هناك وتيرته اسرع.. حتى في العاصمة نفسها هناك تباين في حالة التعافي
نمشي لقدام عشان نتعمق مع هذا التسيس المقيت هناك أسر كثيرة اختارت العودة لأسباب تخصها ولكن انقطعت بها السبل فأصبحت عاجزة عن دفع تكاليف العودة فانبرت بعض
المؤسسات الحكومية والجمعيات الأهلية لمساعدتها بدفع تكاليف العودة أو بعضها… اها عينك ما تشوف الا النور إذ انبرت جهات لمهاجمتها واتهامها بالفساد وانه دا ما شغلها واين وزارة المالية؟ طيب يا جماعة الخير وزارة المالية ما شافت شغلها أو مشغولة بقضايا أخرى… منها الهايف ومنها الجاد هل نرفض مبادرة جهات أخرى للقيام بهذا الواجب الإنساني طالما انه كله من الدولة؟ هناك مؤسسات دولية تابعة للأمم المتحدة وبعض المؤسسات الإقليمية كان يمكن أن تساهم في العودة ولكنها احجمت وربما منعت حتى لاتخدم خطأ سياسيا معينا… والآخطر ان هناك مؤسسات أهلية وأفرادا قادرين كان يمكن أن يساهموا في العودة لكن خوفا من التصنيف والاتهام بالانحياز السياسي احجموا
اها تعالوا شوفوا التسيس الزائد وصل وين؟ التقط الإعلام المؤسسي هذا القفاز فأصبح الموالي للعودة يصور الأوضاع في البلاد كأنها عادت الي طبيعتها أو ربما احسن وان الحياة أصبحت عال العال وهاك يا لايفات من بعض المناطق وبعض الأسر المنتقاه… وبالمقابل هناك اعلام مؤسسي مضاد يصور الحياة في البلاد انها ما زالت جحيما لايطاق لا أمن ولا موية ولا اكل فإذا رجعت فأنت مفقود مفقود.. وبالطبع لن يعدم المادة الإعلامية التي تخدم خطه..
دون شك أن الانقسام الاعلامي أعلاه رغم عدم موضوعيته سيكون له تأثيره على قرارات بعض الأسر والأفراد ولكن الذي فات على الجميع وكما قال حميدتي الذي تسبب في كل هذة البلاوي (الشلاق ما خلى عميان) فالسوشيال ميديا ما خلت مكان فأصبح الإعلام الفردي صاحب القدح المعلي في اتخاذ قرار العودة من عدمه فالان اي مواطن واي أسرة تحسب حساباتها الخاصة بها بالاتصال المباشر وتتخد قرارها بعيدا عن الانحياز السياسي تعرف ماذا سيحدث لها اذا عادت وماذا سيحل بها اذا بقيت في الخارج فاليمسك محترفي السياسة السنتهم وابواقهم… فهذة الأسر ادري بشئونها وبعضهم يحسبها بالملي… ولكن تاني نرجع ونقول ان الإعلام المدلس القائم على التسيس الذي اكتسح حياتنا له دور… الحل الناجع هو التقليل من جرعة التسيس والسوشيال ميديا سلاح ذو حدين يمكن أن تلعب دورا ايجابيا أو سلبيا بحسب الذي ينقر على الكيبورد ولكن المشكلة ان اهل الشنافة والنبيشة والتدليس أنشط من اهل الاستقامة فهل هذة ظاهرة سودانية ام كل الناس في كل الدنيا كذلك؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى