عثمان ميرغني يكتب: مواجهة الحقائق
متابعات موجز الأحداث
من الحكمة وقبل فوات الأوان مواجهة الحقائق بمنتهى الشجاعة.. فالأمر لم يعد يحتمل.. حالة الـ”لا” دولة التي يعيشها السودان ثمنها باهظ وغير قابل للاسترداد.. خاصة إذا وصل منحنى السقوط الحر.
مجلس السيادة الذي تشكل بعد ثورة ديسمبر في أغسطس 2019.. هو تكرار لتجربة بدأت أول مرة في ديسمبر 1955، ثم عادت بعد انتصار ثورة أكتوبر 1964، و مرة ثالثة بعد انفتاضة أبريل 1985 وأخيرا بعد انتصار ثورة ديسمبر في أبريل 2019.. وفي كل هذه التجارب ظل مجلس السيدة رمزا لرأس الدولة لكن دون صلاحيات تنفيذية..
ولكن في التجربة الأخيرة بعد ثورة ديسمبر، ونتيجة لضعف الحكومة الانتقالية تغول نفوذ مجلس السيادة على الحكومة التنفيذية وتحول إلى جهاز تنفيذي يتولى ادارة الدولة ودولاب الخدمة المدنية بصلاحيات كاملة بينما تراجع – قبل انقلاب 25 أكتوبر2021- دور الحكومة بصورة كبيرة نتيجة ضعف خبرات رئيس الوزراء دكتور عبدالله حمدوك وطاقمه الوزاري.
و بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021 ازداد فراغ الهياكل العليا لتغييب منصب رئيس الوزراء و إلصاق كلمة “المكلف” باسم كل الوزراء .. مع استمرار تغييب المجلس التشريعي و مجلس القضاء الأعلى والنيابة العامة والمحكمة الدستورية.
و رغم وعود رئيس مجلس السيادة المتواترة بتشكيل حكومة حقيقية تحت ادارة رئيس وزراء مستقل، إلا أن الزمن أثبت أن هذا الأمر لا تتوفر له الارادة السياسية الكافية.. و ما أسهل اجترار الأعذار التي لا يشترط أن تكون مقنعة أو منطقية.
الآن بلغت الروح الحلقوم.. روح المواطن العادي الذي يكابد أوضاعا لم يتعرض لها شعب في الدنيا.. وحرمان من خدمات الدولة الحتمية خاصة التعليم والصحة.. و يفترض أن الحكومة التنفيذية تتفرغ لسد هذه الثغرة و ادارة البلاد في ملا يتعلق بالشأن العسكري..
من الحكمة الآن استدراك هذا الوضع .. بتحديد صلاحيات رئيس وأعضاء مجلس السيادة في العمل العسكري فقط.. وترك ادارة البلاد لحكومة متفرغة تختص بكافة مجالات الدولة وعلى رأسها العمل الدبلوماسي.
الدكتور الواثق كمير قبل أيام كتب معلقا على غياب منصب رئيس مجلس الوزراء بأنه أمر طبيعي لا يجب أن يثير القلق، وضرب مثالا بأن حكومة الانقاذ ظلت لعقود بلا رئيس وزراء الا أن لجأت لتعيين رئيس الوزراء في السنوات الأخيرة قبل السقوط الداوي.
لكن- ومع تقديري للكتور كمير- إلا أن الاعتداد بتجربة الانقاذ يجب أن لا يغفل النهايات التي وصلت إليها.. تكريس السلطات في منصب رئيس الجمهورية أدى لتضخم السلطات على حساب هياكل الدولة التنفيذية.. وأصبح مألوفا أن يقضي رئيس الجمهورية في ملفات من صميم أدنى ادارات الخدمة المدنية.. وفي آخر المطاف رفع البشير نفسه في مقام من لا يُسأل عن ما يفعل.. حتى أتاه اليقين.
يطلب رئيس الجمهورية أثناء زيارة إلى روسيا من الرئيس بوتين توفير الحماية ضد أمريكا.. و لا يدري بذلك وزير خارجيته المرافق له في الرحلة.
وغيرها كثير..
قبل فوات الاوان لابد من التعامل مع تمكين قوام وهياكل الدولة بمنتهى الجدية ولا يترك الأمر تحت رحمة الوعود.
التيار