
أكد الدكتور أحمد المفتي، الحقوقي السوداني ومدير مركز الخرطوم الدولي لحقوق الإنسان، أن مطالبة المحكمة الجنائية الدولية مجددًا بتسليم الرئيس المعزول عمر البشير تحمل وجهين متداخلين: قانوني وسياسي، حيث يرتبط الأول بقرارات المحكمة ذات الطابع القضائي، بينما يرتبط الثاني بقرارات مجلس الأمن الدولي الذي يتحكم في كثير من القضايا ذات الأبعاد السياسية.
وفي حديثه لـ “سبوتنيك” يوم الأربعاء، أوضح المفتي أن الجانب القانوني البحت يتعلق بالإجراءات التي تصدر مباشرة عن المحكمة الجنائية الدولية، بعيدًا عن أي تدخلات سياسية. وضرب مثالًا بتصريحات المدعي العام للمحكمة، كريم خان، خلال زيارته الأخيرة للسودان، حيث تحدث عن خيارات أخرى لمعالجة قضية البشير ومساعديه، بخلاف تسليمهم للمحكمة الجنائية، مثل:
تشكيل محكمة مختلطة تضم قضاة سودانيين وقضاة دوليين.
إجراء محاكمات وطنية تستوفي معايير الميثاق التأسيسي للمحكمة الجنائية الدولية (ميثاق روما)، والتي تتطلب قدرة قضائية ورغبة حقيقية في تحقيق العدالة.
وأشار المفتي إلى أن التغيرات التي طرأت على النظام القضائي السوداني بعد الثورة قد تكون أحد أسباب طرح هذه البدائل، حيث لم يعد البشير رئيسًا، وبالتالي يجب مراعاة الظروف السياسية والقانونية الجديدة.
البعد السياسي في مطالبة تسليم البشير
أما فيما يتعلق بالجانب السياسي من القضية، فقد شدد المفتي على أن إحالة قضية البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية لم تتم عبر المدعي العام للمحكمة، بل من خلال مجلس الأمن الدولي بموجب الفقرة 13 من ميثاق روما. وأوضح أن علاقة مجلس الأمن بالمحكمة الجنائية الدولية كانت دائمًا محل تحفظات قانونية كبيرة، إذ إن المحكمة تم تأسيسها خارج إطار الأمم المتحدة، ولا يملك مجلس الأمن سلطة إحالة القضايا إلى محكمة العدل الدولية (ICJ)، وهي الجهاز القضائي الأساسي للأمم المتحدة، فكيف يُمنح الحق في الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية (ICC)؟
ضغوط سياسية وليست إجراءات قانونية
وزعم المفتي أن موافقة بعض أعضاء مجلس الأمن مؤخرًا على تسليم البشير وعبد الرحيم محمد حسين وأحمد هارون ليست تحركًا قانونيًا بقدر ما هو ضغط سياسي، مشيرًا إلى أن الوضع الحالي للمطلوبين يتعارض مع ميثاق روما، نظرًا لأن مجلس الأمن لم يمارس سلطته في إيقاف المحاكمة مؤقتًا، والتي لا يجوز تأجيلها لأكثر من عام واحد.
وأضاف أن عدم ذكر المدعي العام لموضوع التسليم خلال زيارته الأخيرة للسودان يعكس أن هذا المطلب قد يكون مجرد رد فعل لتصريحات بعض أعضاء مجلس الأمن الذين وافقوا على التسليم بطريقة غير رسمية، وليس بقرار صادر عن المجلس، ربما بسبب مخاوف من استخدام بعض الدول حق النقض (الفيتو).
وفي ختام حديثه، وصف المفتي المطالبات المتجددة بتسليم البشير بأنها قد تكون مجرد تحرك سياسي غير مؤثر، أشبه بمحاولة تحريك قضية في مياه راكدة دون نتائج ملموسة، قائلًا: “قد يكون الأمر مجرد بندق في بحر”.