
أحدث مقطع فيديو حقق انتشاراً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي، صدمة واستياء بين المواطنين، كما أثار استنكاراً كبيراً من قبل منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية.
يظهر في الفيديو الملتقط داخل إحدى البنايات في مدينة الحلفايا، مجموعة من المدنيين ملقين على الأرض وهم مغطون بدمائهم، محاطين بمسلحين يرتدون زي القوات المسلحة وآخرين بملابس مدنية، وهم يهتفون بصوت عال بالتكبير والتهليل، ويردّدون العديد من الألفاظ النابية، ويوجهون الشتائم والإهانات لضحاياهم على اعتبار أنهم متعاونون مع قوات الدعم السريع.
المقطع المتداول مرتبط بشكل وثيق بالمشاهد المرعبة السابقة من عمليات القتل وتمثيل بالجثث وبقر البطون وغيرها، والتي لم تتوقف عن التناقل من قبل طرفي الصراع، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. فعندما يسيطر أي طرف على منطقة معينة، يعيش المواطن في حالة من الخوف والرعب بسبب سهولة تنفيذ عمليات القتل تحت ذريعة اتهام أي شخص بارتباطه أو تعاونه مع أحد الأطراف.
الخبير يطالب بالتحقيق:
عبّر الخبير المعين في السودان لدى مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، رضوان نويصر، يوم الأربعاء عن قلقه بشأن التقارير التي تشير إلى إعدام عشرات الشباب بشكل موجز في حي الحلفايا بالخرطوم شمال بحري، على يد القوات المسلحة السودانية ولواء البراء بن مالك.
لواء البراء بن مالك هو إحدى الوحدات التابعة للحركة الإسلامية، ويقودها المصباح أبو زيد طلحة. وقد استمر في القتال إلى جانب القوات المسلحة ضد قوات الدعم السريع منذ بداية الحرب.
أدانت قوات الدعم السريع جريمة قتل مدنيين في مدينة حلفاية الملوك التي ارتكبتها مجموعة ادعت أنها تعمل في القطاع الخاص، واعتبرت ذلك بمثابة عقاب جماعي للمواطنين.
نفت القوات المسلحة هذه الاتهامات واعتبرتها أكاذيب وادعاءات مزعومة من قبل قوات الدعم السريع وأتباعها.
بينما قام خبراء عسكريون بالدفاع عن الجيش وأكدوا عدم ارتكاب عناصره لمثل هذه الأعمال.
طالب نويصر في تصريح له، بضرورة إجراء تحقيق سريع وشامل ومستقل وعادل في جرائم القتل ومحاسبة المسؤولين عنها وفقًا للمعايير الدولية المعمول بها.
وأضاف: “حتى الحرب لها قواعد يجب أن تتوقف الإفلات من العقاب”.
ودعا نويصر القوات المسلحة وقوات الدعم السريع والحركات المسلحة والميليشيات المتحالفة معها إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان حماية المدنيين في منطقة الخرطوم الكبرى، في ظل تصاعد الأعمال العدائية والتقارير المتعلقة بعمليات الإعدام السريعة.
وحذر نويصر من أن “المعركة الحالية في الخرطوم الكبرى تعكس رعب المرحلة الأولى من النزاع الذي بدأ في أبريل 2023، وقد تؤدي إلى وقوع عدد كبير من الضحايا المدنيين بين الأفراد المحاصرين بجانب مواقع استراتيجية، بالإضافة إلى انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ونزوح جماعي”.
وأضاف الخبير أن “الفيديوهات التي تم تداولها في وسائل الإعلام أظهرت جثث شباب يُزعم أنهم قُتلوا بسبب الشك في انتمائهم أو تعاونهم مع قوات الدعم السريع.”
ووصفه بأنه عمل رخيص يتعارض مع جميع معايير وقوانين حقوق الإنسان.
ودعا نويصر جميع أطراف النزاع إلى الالتزام بالتعهدات المترتبة عليهم وفقاً للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان، بما في ذلك واجبهم في ضمان عدم حرمان أي فرد من حياته بشكل تعسفي.
الدعم السريع يدين:
من جهته، أدان المتحدث باسم قوات الدعم السريع الباشا طبيق، في حديثه لموقع “راديو دبنقا”، الحادثة، مشيرًا إلى أن هذه الجريمة التي ارتكبتها كتائب البراء المدعومة من الحرس الثوري الإيراني، تضمنت تصفية أكثر من ثلاثين شابًا كانوا يقدمون خدمات غذائية للمواطنين لمدة تزيد عن 16 شهرًا. واعتبرها عقابًا جماعيًا للمواطنين، ولم يستبعد إمكانية حدوث مثل هذه التصفيات في أي منطقة تدخلها القوات المسلحة وما يطلق عليهم الجماعات الإرهابية والحركات المرتزقة.
اعتبرها جريمة ضد الإنسانية، مشيراً إلى أنها تُعتبر على الأقل جريمة إبادة جماعية وانتهاكاً واضحاً للقانون الدولي الإنساني. وتعكس سلوك هذه الجماعات التي وصفها بالإرهابية، وهي جزء من الجرائم التي قامت بها سابقاً مثل ذبح المواطنين وبقر بطونهم والتمثيل بجثثهم، بالإضافة إلى القصف الممنهج للمدنيين بالطائرات الحربية.
بينما أشاد بقوات الدعم السريع واعتبرها قوات منظمة، مشددًا على أنها تقوم بحماية المدنيين وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين، وتطبق قواعد الاشتباك المعنية بحماية المدنيين.
الجيش ينفي:
اعتبر العميد نبيل عبدالله، المتحدث باسم القوات المسلحة، أن ما يُتناقل حول تورط الجيش في تصفية متطوعين في العمل الإنساني بمنطقة بحري ليس سوى أكاذيب وافتراءات تروجها قوات الدعم السريع وأنصارها.
اتهم نبيل في تصريح نشره موقع “سودان تربيون” تحالف القوى المدنية الديمقراطية “تقدم” بأنه يقف وراء الحملة التي زعم أنها تستهدف الجيش السوداني. وأشار إلى أن هذا التحالف يتبنى أكاذيب المليشيات المتمردة، في إشارة إلى قوات الدعم السريع، ويتجاهل الانتهاكات والفظائع التي يرتكبها حلفاؤهم، بينما يروج الأكاذيب حول القوات المسلحة.
في نفس الإطار، اعتبر الخبير العسكري اللواء د. معتصم عبد القادر الحسن أن هناك عدة روايات حول مثل هذه المقاطع. حيث توجد رواية تنفي صحة هذه الصور وتنسبها إلى قوات العمل الخاص، بينما تشير رواية أخرى إلى أن هذه المقاطع قديمة. ومع ذلك، يرى أنه توجد محاولات للترويج لهذه الصور بغرض الإساءة إلى القوات المسلحة واتهامها بانتهاكات الحرب وحقوق الإنسان.
دفاع عن الجيش:
دافع الحسن في حديثه لراديو دبنقا عن القوات المسلحة، مؤكدًا أنها مؤسسة عريقة تتخذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد المعتدين، واستبعد حدوث تلك الأعمال في هذه المناطق. كما أشار إلى انتشار القوات المسلحة على مستوى القيادة، حيث قام القائد العام الفريق عبدالفتاح البرهان بزيارة تلك المناطق، مثل الحفايا والكدرو ومنطقة حطاب، برفقة مساعده ونائب مدير جهاز المخابرات.
وأضاف أنه في حال وقوع مثل هذه التصرفات، فإنها عادة ما تخضع للتحقيق ويتم اتخاذ الإجراءات المالية والعقابية ضد الأفراد الذين قاموا بها.
اعتبر أن الدعم الكبير الذي حصلت عليه القوات المسلحة في مسرح العمليات والأحياء التي تم تطهيرها يعكس تأييدًا قويًا لها. وأوضح أن الجهات المعادية، والتي وصفها بالمنهزمة، تحاول إحداث فجوة بين المواطنين والقوات المسلحة. وأكد أن جميع الأخبار والصور من الميدان تثبت تلاحم المواطنين مع القوات المسلحة، حيث يخرجون من مناطق قوات الدعم السريع إلى مناطق الجيش ويشعرون بالأمان هناك. وشدد على أن أي تصرفات فردية غير مسؤولة من داخل القوات المسلحة أو أي جهة تابعة لها ستواجه إجراءات المحاسبة والعقوبة من قبل الجيش.
وأكد على أن أي جهة، سواء كانت من القطاع الخاص أو من المتطوعين أو من الأجهزة الرسمية، تتحمل مسؤولية أعمالها ويجب محاسبة الأفراد الذين ينتمون إليها ومعاقبتهم. وأضاف أن أي حادث يحدث في الميدان، حتى لو لم تظهر نتائجه على السطح، يتم اتخاذ إجراءات مناسبة تجاه هذه الممارسات.
ورأى أن هذه الممارسات تُضعفها أكثر مما تعززها، وذكر أنها تصرفات فردية ليس لها أساس أو توجيهات داخل هذه المؤسسات النظامية.
ناتجة عن مرارات:
اعتبر الخبير العسكري اللواء الركن المتقاعد، عبد الغني عبد الفراج عبد الله، أن القوات المسلحة، على مدى تاريخها الطويل، لا تعرف الكراهية أو الانتقام، بل كانت دائمًا في خدمة المستضعفين. ويمكن رؤية ذلك في مسارح العمليات في الجنوب، حيث كانت القوات المسلحة تعالج الجرحى وتنقلهم إلى المناطق الآمنة.
قال لـ “راديو دبنقا” إن كل الحروب تشمل مجموعة من الخارجين عن القانون، وعلى الرغم من عدم اقتناعه بمحتوى الفيديو، إلا أنه يرى أنهم لا يتجاوزون الثلاثة أشخاص كما يظهر في المقطع، وقد تكون تصرفاتهم ناتجة عن مشاعر مرارة عانت منها أسرهم.
ودلل على حديثه بأن قوات الدعم السريع قامت بقتل العديد من الأسر وكثير من المتقاعدين بدم بارد.
واتهمها بارتكاب العديد من الفظائع، وأشار إلى أنها قامت بقتل عدد كبير من الأشخاص وأذاقت الجميع مرارات لا تحصى.
لكنه أضاف قائلًا: في رأيي الشخصي، لا يبرر ذلك الإسلام الذي يشجعنا على معاملة الأسرى بحسن. ومع ذلك، هذه هي الحرب ولا يوجد فيها مكان للمثاليات، وغالبًا ما يصعب السيطرة على الانفلاتات بسبب المرارات التي عاشوها أو شاهدوها.
عبّر الخبير العسكري اللواء عبد الغني عن اعتقاده بأن الجزء الآخر هو تصرف فردي وليس هناك قائد يفضل مثل هذه الأفعال. وقال العكس تمامًا، فخلال المعارك إما القتل أو الموت وفي كلتا الحالتين تمر الأحداث ويأتي السلام ويتصافى الجميع. كما أن الروح الوطنية وحب الوطن يجب أن تسود.
لكنه عاد ليقول: “في بعض الأحيان أسأل نفسي إذا كانت قوات الدعم السريع ملتزمة، وهل كانت لديهم مشاعر إنسانية. لقد رأينا العديد من قرى الجزيرة تشهد موت العشرات ومقابر جماعية، هل خرج أي من قادتهم ليدين ما حدث؟”
بل على العكس، فإن ذلك يشجع على ارتكاب المزيد من المجازر، لكننا ندين القتل بدم بارد تحت أي مسمى كان.