اخبار

انخفاض قياسي : إنتاج التمور بالسودان يتراجع بأرقام مخيفة : التفاصيل

تقرير: سليمان سري

يعانى المزارعون في الولاية الشمالية من خسائر مالية فادحة خلال موسم حصاد التمور الذي انطلق في بداية أكتوبر الجاري. وقد ساهمت عدة عوامل في تدهور الإنتاجية، أبرزها انتشار حرائق غير مسبوقة والتغيرات المناخية التي أدت إلى هطول أمطار غزيرة لم تشهدها المنطقة من قبل. نتيجة لذلك، تعرض محصول البلح الرطب للتلف بشكل كامل.

تسبب النزاع المستمر في المنطقة في عرقلة جهود المزارعين لنقل ما تبقى من المحصول إلى الولايات الأخرى. هذا الوضع زاد من تفاقم الأزمات الاقتصادية التي يواجهها المزارعون، حيث لم يتمكنوا من الاستفادة من المحاصيل المتبقية أو بيعها في الأسواق.

تتزايد المخاوف بين المزارعين من أن تؤثر هذه الظروف على مستقبل الزراعة في الولاية الشمالية، مما يستدعي تدخل الجهات المعنية لتقديم الدعم والمساعدة في مواجهة التحديات التي تواجه القطاع الزراعي.

قال محمد أحمد، أحد مزارعي قرية تنقاسي في محلية مروي بالولاية الشمالية، لـ “راديو دبنقا” إن إنتاجية هذا العام منخفضة بشكل كبير وتراجعت مقارنة بالعام الماضي. وأشار إلى أن النقص يصل إلى الثلث أو الثلثين في بعض المناطق، أو النصف في مناطق أخرى. وأضاف قائلاً: “من تجربتي الشخصية، تمكنت في مزرعة صغيرة العام الماضي من إنتاج 80 جوالاً، بينما هذا العام لم أنتج سوى 50 جوالاً فقط.”

أوضح أحمد أن تدني الإنتاجية يعود إلى تكرار حوادث حرائق النخيل والأمطار والسيول التي ضربت القرى والجزر في الولاية الشمالية. وأشار إلى أن انتشار الحرائق أصبح هاجسًا يؤرق السلطات والمزارعين في المنطقة، حيث تؤدي هذه الحرائق إلى فقدان مصدر الدخل الرئيسي للمزارعين، المتمثل في محصول البلح الذي يعتمدون عليه بشكل كبير في حياتهم. وأضاف أن الأمطار أيضًا تسببت في خسائر كبيرة هذا العام، وكانت مختلفة عن السنوات السابقة.

وأضاف أن: “الأمطار والرياح كانت كثيفة جدًا، مما أثر بشكل كبير على موسم البلح، خصوصًا الرطب الذي لم يتمكن المزارعون من حصاده هذا العام.”

انتشرت حرائق النخيل هذا العام، حيث تجاوزت الحوادث عشرين حالة حريق في الولاية الشمالية، مما أدى إلى خسائر كبيرة للمزارعين الذين يعتمدون على دخلهم من بيع التمور.

مروي:

بالنسبة لأسعار هذا العام، وصف محمد أحمد أنها جيدة جدًا، حيث يمكن أن تغطي التكاليف على الرغم من انخفاض الإنتاجية. ولكنه أضاف قائلاً: “على الرغم من ارتفاع أسعار التمور، إلا أن زيادة تكلفة المواد الاستهلاكية قد تضاعفت، مما يجعل هذه الزيادة غير كافية لتلبية احتياجات المزارعين”.

وأضاف قائلًا: “عند إجراء مقارنة بسيطة بين موسم هذا العام والموسم الماضي، نجد أن كرتونة البلح من نوع ‘البركاوي’ في العام الماضي بدأت بسعر يتراوح بين 2000 إلى 3000 جنيه، وكان سعر الكرتون الفارغ 300 جنيه، بينما كان سعر الجوال الفارغ حوالي 900 جنيه. وفي موسم العام الماضي، تراوح سعر جوال البلح بين 15000 و18000 جنيه.”

وأضاف: أما في هذا العام، فإن سعر الكرتون الفارغ يتراوح بين 7000 إلى 8000 جنيه، بينما أسعار جوال التمر تتراوح بين 60000 إلى 80000 جنيه، وسعر الجوال الفارغ يبلغ 6000 جنيه.

وفيما يتعلق بالصعوبات والتحديات التي واجهها المزارعون، أوضح أن بعضها كان ناتجًا عن تأخر جفاف الأمطار والفيضانات في بعض المناطق، بالإضافة إلى الكمية الكبيرة من التلف تحت أشجار النخيل، مما أدى إلى زيادة تكلفة العمالة وتأخير عملية الحصاد. وأضاف أن تكلفة إنتاج الجوال في العام الماضي كانت حوالي 5000، بينما تراوحت تكلفة إنتاج الجوال الواحد هذا العام بين 11000 و15000، تشمل أجور العمالة وتكاليف النقل وتكاليف الكرتون الفارغ والجوال.

تنتج النخلة في الظروف العادية ما بين جملتين إلى ثلاث، وبعض أشجار النخيل قد تنتج جملة واحدة ونصف.

أشار محمد أحمد إلى أن منطقة مروي تتميز بإنتاج تمور البركاوي، والتي تُعرف بملك السوق والقندويلة. وقال: في السنوات الماضية، ظهر التمر السعودي الذي يُطلق عليه أسماء مثل “برحي” و”نبود” و”نبض السلطان” و”الصقعي” و”السكري” و”الخلاص”، وأفضلها هو الونانة.

قال: في مناطق المحس والدناقلة، يعتبر إنتاج البلح هو الأكثر في المنطقة بشكل عام، وخاصة نوع الجاو بجميع أصنافه، بما في ذلك الجاو الأبيض.

البرقيق:

قال حاج عباس، أحد المزارعين في محلية البرقيق بالولاية الشمالية، لـ “راديو دبنقا” إنَّ هناك العديد من المشاكل التي واجهت المزارعين هذا الموسم، ولكن المشكلة الأبرز هي مشكلة التسويق. وأشار إلى أن الأحداث الأخيرة من الحروب أثرت بشكل كبير على تسويق التمور، مما أدى إلى تكدس كبير في الأسواق. كما ذكر أن هناك فشلًا في توصيل شحنات التمور إلى الولايات الغربية مثل “دارفور وكردفان”، فضلًا عن عدم القدرة على الوصول إلى الأسواق المفتوحة.

اعتبر عباس أن ارتفاع تكاليف الإنتاج هذا العام كان متوسطًا، ولكن بسبب هطول الأمطار والأضرار التي لحقت بأشجار النخيل والتمور، كان الناتج أقل من المتوقع. وأوضح أن الإنتاج المتوقع هذا العام كان أعلى بكثير، مشيرًا إلى أن الأشجار كانت مثمرة بشكل جيد، وكان هناك اهتمام كبير من المزارعين، لكنهم واجهوا ظروفًا صعبة نتيجة التغيرات المناخية، مما أدى إلى انخفاض الإنتاج وتلف العديد من التمور.

وأشار حاج عباس إلى أن الأنواع المميزة من التمور التي تُنتج محلياً في البرقيق ودنقلا تشمل البركاوي والقنديل والتمود والجاو بأنواعه المتعددة مثل “كلمى وكروش”، بالإضافة إلى الشدة والأسدة وسبن كروش.

أشار إلى أن هناك بعض أشجار النخيل التي قد لا تنتج في كل عام بسبب عدة عوامل، منها نقص المياه أو الإهمال أو عدم قدرتها على الإثمار. ومع ذلك، فإن النخيل الذي يتلقى العناية والرعاية السليمة مع نظام ري منتظم يثمر بشكل جيد.

وأشار إلى أن بعض الأشجار سقطت خلال فصل الخريف نتيجة للعواصف والأتربة والأمطار الغزيرة، خاصة الأشجار القديمة والعالية وكبيرة الحجم. وأضاف: كلما كانت النخلة أكبر، زادت احتمالية سقوطها.

عبري:

من جهته، قال شاهر محجوب من قرية عبري تبج بمحلية عبري لراديو دبنقا: إن إنتاجية هذا العام كانت منخفضة، وأشار إلى أن بعض المزارعين قاموا بحصاد تمر “البركاوي” مبكرًا خشية من هطول الأمطار، بينما تمكن البعض الآخر من حصاد البلح الرطب، لكنهم واجهوا مشكلة في التخزين مما أدى إلى تلف كميات كبيرة منه. وأضاف أن العواصف تسببت في سقوط أكثر من مئتي نخلة في قريتهم عبري تبج.

أوضح أن المزارعين في عبري واجهوا نفس التحديات التي عانى منها نظراؤهم في باقي مناطق الولاية، مثل تراكم الإنتاج وصعوبة التسويق. ولكنه أشار إلى أن المشكلة في عبري تكمن في امتناع التجار عن شراء التمور، حيث إنهم عادة ما يترددون في شرائها خلال موسم الحصاد، مما يضطر المزارعين إلى مقايضة التمور بالمواد الاستهلاكية لتلبية احتياجاتهم على مدار العام.

أشار محجوب إلى أن إنتاجية النخيل في عبري تعتمد على نوعين من النخيل وهما “القنديلة والبركاوي”. وكانت أسعار القنديلة تصل إلى حوالي 150 ألف جنيه قبل موسم الحصاد، بينما كانت أسعار البركاوي حوالي 70 ألف جنيه. ومع ذلك، فإن الأسعار تنخفض خلال موسم الحصاد، لتصل أسعار القنديلة إلى 70 ألف جنيه والبركاوي إلى 30 أو 40 ألف جنيه، مشيرًا إلى أن ذلك يعتبر نتيجة طبيعية للزيادة في الإنتاج وارتفاع العرض مقابل انخفاض الطلب.

الطقوس المصاحبة:

وفيما يتعلق بالعادات المرتبطة بموسم جمع التمور، أشار شاهر محجوب إلى أنه بالرغم من تراجع الإنتاجية وتعرض الكثير من التمور للتلف، إلا أن علامات البهجة والاحتفال بقدوم موسم حصاد التمور لا تزال قائمة. وأوضح أن موسم جني وإنتاج التمور يعتبر مناسبة سنوية مبهجة للأهالي في الولاية الشمالية.

من جهته، أفاد محمد أحمد أنه لا توجد طقوس تذكر بالمقارنة مع الأعوام السابقة، حيث كان يصل الأهل من الخرطوم قبل أسبوع من موعد الحصاد، بالإضافة إلى حضور العمال من الجزيرة ودارفور. أما هذا العام، فقد حضر الجميع موسم النخيل، وأصبح الأمر عادياً دون أي طقوس بارزة.

قال حاج عباس من محلية البرقيق في الولاية الشمالية لـ”راديو دبنقا” إن حصاد التمر يُعرف بعيد الشمال، وينتظر السكان هذا الوقت بفارغ الصبر وباحتفالية كبيرة، حيث تبدأ الاستعدادات منذ منتصف سبتمبر من كل عام. وأضاف أن الطقوس المرتبطة بحصاد التمر، وفقًا للعادات والتقاليد السائدة، ما زالت مستمرة في دنقلا، وقد شهدت تطورًا في وسائل النقل من الاستخدام التقليدي للدواب إلى العربات و”التكاتيك”. ومع ذلك، يظل الأهالي والأسر مشاركين بنشاط في عمليات جني التمور.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى