
برزت دلائل على وجود صراعات بين الحركات المسلحة التي أيّدت الجيش السوداني في الحرب ضد قوات الدعم السريع من جهة، ومجموعات من الإسلاميين المؤثرين داخله من جهة أخرى.
تجسدت ملامح ذلك في النقاش حول توزيع السلطة الذي تم تداوله مؤخراً، إضافة إلى التصريحات التي أدلى بها حاكم إقليم دارفور ورئيس حركة جيش تحرير السودان مني أركو مناوي، حيث أشار فيها إلى تفتت الإسلاميين في السودان.
قال مناوي خلال مشاركته في ندوة سياسية بالعاصمة الفرنسية باريس قبل أيام، إن الإسلاميين في السودان انقسموا إلى قبائل ومناطق، ولا يوجد فعلاً وجود حقيقي للإسلام السياسي في البلاد.
على الرغم من دعمه لمشاركتهم في أي نقاش حول مستقبل الحكم في السودان، إلا أنه تعرض لانتقادات كثيرة من جهات تعتبر متعلقة بنظام الرئيس السابق عمر البشير.
تزايدت الانتقادات الموجهة إليه بسبب رغبته في الاستفادة من مشاركتهم إلى جانب الجيش قبل انتهاء المعارك مع قوات الدعم السريع، وهو ما يعكس التقدم الذي حققه الجيش مؤخرًا في بعض الولايات.
من الواضح أن تصريحات مناوي حول أهمية إنشاء جيش موحد بعد انتهاء الحرب كشرط لتحقيق الاستقرار والحكم الديمقراطي تُثير دائماً استياء الإسلاميين الذين يسعون للاستفادة من أي ترتيبات قد تؤثر على إصلاح المنظومة الأمنية بعد الثورة الشعبية التي أزاحت نظام البشير، لأن ذلك يُهدد قبضتهم على مراكز اتخاذ القرار في قيادة الجيش. وما يُظهر ذلك هو أن الحركات المسلحة لم يتم دمجها في الجيش رغم قتالها إلى جانبه.
وأعاد بعض المنتمين إلى التيار الإسلامي تذكير مناوي بتمرده على الجيش والحكومة خلال فترة حكم البشير، ورأوا أن تصريحاته تمثل تمهيداً لتمرد جديد إذا لم تحصل الحركات على نصيب كبير داخل هياكل السلطة في البلاد، خاصة أن قيادة القوة المشتركة تحقق انتصارات ميدانية في إقليم دارفور.
تخلت القوة المشتركة للحركات المسلحة في دارفور عن حيادها الذي التزمت به منذ بداية الحرب، وبدأت منذ مايو الماضي في محاصرة قوات الدعم السريع في مدينة الفاشر بهدف السيطرة عليها نظراً لأهميتها التاريخية كمركز الإقليم، لكنها لم تتمكن من تحقيق ذلك حتى الآن.
قالت صحفية سودانية مرتبطة بالجيش تدعى رشا أوشي في مقال نشر يوم السبت إن رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم ومني أركو مناوي تلقيا 72 مليون دولار نقدًا مقابل مشاركتهما في الحرب، ويعملان على الضغط من أجل إعادة توزيع حصص السلطة ومنح الحركات المسلحة 50% من مقاعد الحكومة، وهو ما نفته الحركتان.
أكد المحلل السياسي السوداني سليمان سري أن التحالف بين الحركات المسلحة والإسلاميين هو تحالف مؤقت وهش للغاية ولن يدوم، لأن كلا الطرفين يسعى للسيطرة على السلطة. وقد تجلت الأطماع في وقت مبكر مع إدراك الإسلاميين بأن قادة الحركات وصلوا للسلطة من خلال صفقة، مما يجعل من الممكن الانقضاض عليها في الوقت الراهن.
قادة الحركات المسلحة تسببوا في مشاكل وصراعات مع القوى المدنية أكثر من تلك التي نشأت مع المكون العسكري.
أشار لـ”العرب” إلى أن “وجود الجماعات المسلحة في هياكل السلطة أثر سلبًا على المرحلة الانتقالية، وساهم في الانقلاب على القوى المدنية، كما أن قادة هذه الجماعات أثاروا مشاكل وخلافات مع القوى المدنية أكثر من تلك التي كانت لديهم مع المكون العسكري”.
أوضح أن “الحركات المسلحة استغلت فراغ السلطة بالتعاون مع الجيش بعد انقلاب أكتوبر 2021 بدلاً من الإسلاميين، حتى اندلعت الحرب وتغيرت الأوضاع حيث قررت الحركات الوقوف على الحياد، لكن بعد مرور سبعة أشهر من المعارك، شعرت بعض هذه الحركات بأن مصالحها تتطلب التحالف مع الجيش. وهذا يشير إلى وجود صفقات غير معلنة أدت إلى التحالف الحالي، مما يجعل الهدف من القتال هو تحقيق مصالح الحركات بدلًا من شعارات الكرامة والتحرير.”
أعلنت حركة تحرير السودان بقيادة مناوي وحركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبريل وبعض الحركات الأخرى الموقعة على اتفاق جوبا للسلام في عام 2020، أنها ستخرج عن موقف الحياد الذي التزمت به، وقررت دعم الجيش في مواجهته ضد الدعم السريع.
وأكد سليمان سري في حديثه لـ “العرب” أنه “ما دامت علاقة تحالف الحركات مع الجيش مرتبطة بصفقات، فإنها تظل في إطار مؤقت، وليس من المستبعد أن تتجه الحكومة نحو مواجهة الحركات بعد انتهاء حربها الحالية مع قوات الدعم السريع”.
ليس من المستبعد أن تعود الصراعات التي خاضها البشير ضد الجماعات المسلحة في دارفور لتكون عاملًا يحول دون تحقيق نموذج الدولة الديمقراطية في السودان، مما يساهم في هدف القضاء على الثورة وإرهاق البلاد بحروب متواصلة.
يتمتع الإسلاميون في السودان بخوف من تحقيق السلام، إذ يدركون أنهم لن يكون لديهم دور في الحكم. نفس الأمر ينطبق على الحركات المسلحة التي تدرك أن القوة ستؤول لصالح القوى المدنية. الهدف الرئيسي لدى هؤلاء هو البقاء في السلطة من خلال تغذية النزاعات وليس عن طريق تحقيق الاستقرار. وهذا يجعل الشعب السوداني مقتنعًا بأن وجود الإسلاميين في الحكم يهدف إلى الحفاظ على أمنهم، مستخدمين فزاعة الأمن بشكل مستمر.
أثار حضور حاكم إقليم دارفور في فرنسا العديد من التساؤلات حول دلالات تصريحاته التي أطلقها من هناك والتي تشير إلى الضغط على الجيش لدمج قوات الحركات المسلحة داخله. وهذا يدل على أن رسالته تحظى باهتمام داخل الجيش، خصوصاً في ظل الظروف الحالية حيث تُظهر الحركات المسلحة قدرتها على تحقيق انتصارات عسكرية، كما أن خبرات عناصرها تجعلها قوة قد تفقد الجيش في الوقت الذي يسعى فيه لتعزيز قوته العسكرية.
قال رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور الصادق علي حسن إن “صراع الحركات المسلحة يسعى إلى الوصول إلى السلطة من خلال التوافقات التي تمت مع الإسلاميين، وأن هناك تقاطعات بين الطرفين بسبب الرغبة في السيطرة وتوزيع المناصب”.
وأشار لـ”العرب” إلى أن “الوقت الحالي ملائم لذلك في ظل ضعف القوى السياسية وتغير الأوضاع العسكرية، حيث يعتقد مناوي بعدم وجود قوى لها تأثير كبير على سير القتال، ولديه رغبة في التوسع دون أن يفكر في كيفية إنهاء الحرب والسعي لتحقيق الاستقرار”.
وذكر أن “حديث مناوي عن الجيش الموحد يتفق عليه جميع السودانيين، بشرط أن يتم إعادة بناء هيكلة الجيش بشكل كامل، وليس من خلال دمج القوات التي قد تؤدي إلى تفكيك بنيته الداخلية بشكل أكبر. إن القيام بعملية الدمج وفقًا للولاءات بين الحركات المسلحة والإسلاميين يعقد الأمور، ومن المهم تجنيد أبناء السودان للانضمام إلى القوات المسلحة بناءً على مؤهلاتهم وقدراتهم واحتياجات الجيش، وذلك لنكون أمام قوة منظمة تهدف إلى حماية البلاد. الأطراف المتصارعة لا تستطيع تأسيس جيش موحد”.